ليس سراً أن ألمانيا التي رحّبت بترؤس ماتّيو رينزي الحكومة في إيطاليا، والذي قضى بصعوده القوي على أي احتمال لعودة سيلفيو بيرلوسكوني أو تياره، ليست مرتاحة للتقارب بين إيطالياوفرنسا، خصوصاً مشروع يحضّر له البلدان منذ أشهر لإطلاق برنامج استثماري عملاق قيمته 240 بليون يورو سنوياً على 5 سنوات، يُموّل من الموارد الأوروبية والوطنية، ومن القطاع الخاص وهيئات الاستثمار الكبرى. ويُنتظر أن تتولى فرنسا طرح المشروع على مائدة القمة الأوروبية بعد عطلة الصيف، ثم تسويقه بين الدول الأعضاء. وكانت إيطاليا بدأت رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، ب «اشتباك» مع ألمانيا، على خلفية برنامج طموح لرينزي هدفه الالتفاف على القواعد الصارمة التي فرضتها ألمانيا منذ بداية الأزمة المالية - الاقتصادية في القارة العجوز، والتأسيس لمحور جديد يلمّ شمل القوى اليسارية الأوروبية المتراجعة منذ سنوات، أمام الليبرالية الجامحة التي يخشى كثيرون أن تطيح المشروع الأوروبي. وكان رينزي قال أمام البرلمان الأوروبي إن «الإصلاحات الليبرالية لسوق العمل والقواعد المالية المتشددة، من شأنها أن تقضي على الحلم الأوروبي، إذا لم تتزامن مع مجهود استثماري جدّي يطلق عجلة النمو الاقتصادي مجدداً». لكن حاكم المصرف المركزي الألماني ينس ويدمان حض روما على «الوفاء بالتزاماتها واحترام قواعد اللعبة، قبل أن تملي شروطاً وتعطي دروساً». وعلّق رينزي على كلام ويدمان، مذكّراً بأن الاتحاد الأوروبي أتاح لألمانيا تغييراً موقتاً لقواعد اللعبة، عندما كانت هي أيضاً في عز مواجهتها الأزمة، وزاد: «الأوروبيون الحقيقيون ليسوا الذين يصرّون على هيكلية الاتحاد وقواعده الصارمة، بل الذين يسعون إلى تغييره واستعادة الأمل بالحلم مجدداً». وتابع: «أوروبا للأوروبيين، وليست ملكاً لحكام المصارف الألمانية، ولا أسمح لنفسي بأن أملي على المصرف المركزي الألماني كيفية مراقبة المصارف وصناديق التوفير الإقليمية» التي تحوم شكوك حول إدارتها منذ سنوات. لم يلفظ رينزي عبارة «الولاياتالمتحدة الأوروبية»، ربما لإدراكه أن الوقت ما زال مبكراً، لكن معروف أنها نقطة الوصول في مشروعه الذي يُحرج ألمانيا التي ترى فيه انتقاصاً من دورها المهيمن على المدى البعيد، فيما تخشى تفكّك المشروع الأوروبي برمته أمام تنامي القوى والأحزاب المناهضة له. على رغم ذلك، يدرك رينزي صعوبة المواجهة مع ألمانيا القوية اقتصادياً، والمفاجآت التي قد تخبّئها الرمال المتحركة للسياسة الداخلية الإيطالية، فيما يؤكد مساعدوه عزمه على تغيير أوروبا مع ألمانيا، لا ضدها.