يرى محللون ان عقبات كثيرة تحول دون انفصال أكراد العراق، وأن التهديد بالمضي في استفتاء على الاستقلال، وسط الفوضى التي تعيشها البلاد، هدفه انتزاع تنازلات من بغداد. وسيطر الأكراد، منذ بداية الهجوم الكاسح الذي يشنه مسلحون متطرفون يقودهم تنظيم «الدولة الاسلامية» منذ نحو شهر، على مناطق متنازع عليها مع بغداد بعد انسحاب القوات العراقية منها، وفي مقدمها كركوك (240 كلم شمال بغداد) الغنية بالنفط. وعلى ضوء هذا التمدد، وضع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الأكراد على طريق الانفصال بعدما طلب الاستعداد لتنظيم استفتاء على حق تقرير المصير، في تحد آخر لوحدة هذا البلد المعرض للتقسيم، خلال مواجهة مسلحين يسيطرون على أجزاء واسعة منه. وقال بارزاني في خطاب أمام البرلمان المحلي: «اقترح عليكم الاستعجال في المصادقة على قانون تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لكردستان لأنها الخطوة الأولى، وثانياً اجراء الاستعدادات للبدء بتنظيم استفتاء على حق تقرير المصير» لأن ذلك «يعزز موقفنا وسيكون بيدنا سلاح قوي ويجب عليكم دراسة المأساة وكيفية إجراء هذا الاستفتاء». وعلى رغم ان الاقليم الكردي يتمتع بحكم ذاتي منذ بداية التسعينات، الا ان الإنفصال يمثل مجازفة سياسية واقتصادية خطيرة بالنسبة الى الاكراد، والتهديد بالاستفتاء أقرب الى وسيلة ضغط منه الى المضي فعلاً باجراءات الانفصال عن العراق. وتمثل القدرة المالية للإقليم احد اكبر تحديات هذا الحلم، فعائدات النفط التي يجنيها حالياً أقل مما تحتاجه سلطاته لدفع مرتبات الموظفين الحكوميين، في وقت يلف الغموض مستقبل قطاع النفط في ظل الخلافات المتواصلة مع بغداد. ويشوب العلاقة بين بغداد والإقليم الكردي الذي يملك قوات عسكرية ويصدر تأشيرات ولديه علم خاص به، توتر يتعلق أساساً بالمناطق المتنازع عليها وبعائدات النفط وصادراته، إذ توقع الحكومة المحلية عقوداً مع شركات أجنبية من دون الرجوع الى الحكومة الفيديرالية التي قررت بسبب ذلك عدم دفع حصة الاقليم من الموازنة السنوية التي تبلغ نحو 17 بليون دولار. ويقول أيهم كامل، وهو مدير قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجموعة «أوروسيا» الاستشارية ان «الوضع المالي لإقليم كردستان ضعيف وتصدير النفط عبر ميناء جيهان (التركي) صعب حالياً»، مضيفاً: «ليس هناك من حل قصير الأمد للاكراد الذين يبحثون عن بنية تمويلية بديلة لما يحصلون عليه من بغداد». وبينما يعاني الأكراد من نقص الاموال، فهم يمولون حملة عسكرية ضخمة تهدف الى حماية حدود الاقليم من مسلحي تنظيم «الدولة الاسلامية» الجهادي المتطرف الذي يسيطر منذ نحو شهر مع تنظيمات متطرفة اخرى على مناطق واسعة محاذية لكردستان غادرتها القوات العراقية. وعلى رغم الاعلان عن الاستعداد لتنظيم استفتاء على حق تقرير المصير، الا ان السياسيين الاكراد ما زالوا يلعبون دوراً اساسياً في العملية السياسية في العراق حيث يشاركون في المفاوضات الهادفة الى التوافق على الرئاسات الثلاث، علماً ان العرف السياسي المتبع في العراق ينص على ان يكون الرئيس كردياً منذ 2006. ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري «انها ببساطة وسيلة ضغط على الحكومة في بغداد والدليل انهم ما زالوا ينافسون للحصول على منصب رئيس العراق ومناصب اخرى في الخريطة السياسية». ويرى توبي دودج، مدير مركز الشرق الاوسط في كلية لندن للإقتصاد ان الاستراتيجية التي يتبعها الأكراد قد تعود بنتائج عكسية عليهم، خصوصاً ان الشعب الكردي يتطلع الى انفصال فعلي. ويوضح: «قد يلوح بهذا السيف امام بغداد لكن شعبه ملتزم فعلاً بفكرة الاستقلال وقد مر في فترات من الإحباط في اوقات سابقة جراء عدم تحقيق ذلك». ويتابع: «لا اعتقد بأنه (بارزاني) يستطيع ان يجامل شعبه هكذا، من دون ان يعود عليه ذلك بنتائج عكسية اذا لم يحقق ما يطمح هؤلاء الى ان يحققه لهم». وعبرت الولاياتالمتحدة التي يرى فيها الأكراد احد ابرز حلفائهم، عن معارضتها الدعوة التي وجهها رئيس اقليم كردستان للإستعداد لتنظيم الاستفتاء، ومن المستبعد ايضاً ان توافق ايران التي تدعم السلطات الشيعية في العراق على تقسيم هذا البلد المجاور. وفي ظل الدعم غير المؤكد، والمأزق المالي، واقتراب المسلحين المتطرفين من الحدود، والتوتر في المناطق العربية التي تسيطر عليها قوات الإقليم الكردي، فانه يصعب توقع ولادة وشيكة لدولة كردية. ويقول الشمري «ستكون دولة ميتة بلا شك».