أوضح الأستاذ المشارك في قسم السياسة الشرعية بالمعهد العالي للقضاء الأمير الدكتور عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز أن أهمية تقدير المصالح هي قوام السياسة الشرعية، وأن السياسة الشرعية هي منهاج العدل في التصرف على الرعية، وأن السياسة العادلة هي التي يطلق عليها السياسة الشرعية، فإن لم تكن عادلة فليست بشرعية. ولفت إلى أن علم السياسة الشرعية هو علم منهاج العدل وسبيله الواضح وطريقه البيّن، والتدبير بالمصلحة هو الأداة والوسيلة لإظهار جانب العدل في التصرف على الرعية. وأشار إلى أن وظيفة السياسة الشرعية بالنسبة للتدبير بالمصلحة، هي ذاتها وظيفة الضوابط الشرعية وهي المحافظة على العدل والاعتدال، ومضبوطة بضوابط وقيود من شأنها أن تجعلها في اعتدال وتوسط، وهذه الخصيصة سمة بارزة في الشريعة في جميع نواحيها، ويعبر عنها بعض الباحثين بالوسطية أو التوازن. واستهل بحثه الذي نشرته مجلة الجمعية الفقهية السعودية التي تصدرها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عددها ال19، بعنوان: «تعريف السياسة الشرعية.. حقيقته وما تجري المناظر فيه» باقتباس من ابن قيم الجوزية، أكد فيه أن «السياسة العادلة جزء من الشريعة، ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها، وأن الخلق لا صلاح لهم بدونها البتة، علم أن السياسة العادلة جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علماً بمقاصدها ووضعها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة». وأكد الباحث أن أي تعريف علمي للسياسة الشرعية لن يوفيها حقها أو يظهر قيمتها وأهميتها الحقيقية، ليراها القارئ ماثلة بوضوح أمام عينيه، ولكن يمكن تصوير الأثر أو الدور والوظيفة التي يقوم بها العمل وفق السياسة الشرعية، وضرب لذلك مثلاً بحكم الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز. وذكر أن المقصود بمنهاج العدل في التصرف على الرعية «أن يكون تدبيراً بالمصلحة ليس في الشرع ما ينفيه، وهذا يتطلب توافر أن يكون المتصرف ذا اختصاص ولم يكن مفسداً ولا مفتئتاً، وذا أهلية ليس يمنعه من عوارضها شيء. وأن يكون التدبير بالمصلحة، ولم ينف الشرع الوسيلة ولا الغاية. وأن يكون المتصرف فيه منفعة غير مخالفة للشرع، ولا تفوت مصلحة أعلى منها، ولم تحدث مفسدة مساوية أو أكبر». وأوضح أن العدل يقتضي أن تكون جميع الأمور مفضية إليه «بأعلى درجاته، وبأيسر وأوضح طريق وبأقل كلفة، ومن دونها لا معنى للسياسة الشرعية، فليس الإفضاء إلى العدل كافياً، وإنما السياسة تقتضي أن يكون مفضياً إلى أعلى درجة منه بأقل كلفة على الرعية، ومن دون ذلك لا جدوى من ذكر التدبير المستمر والسياسة». وأوضح أن القادة الإداريين يحرصون على فعل الشيء الصحيح، بينما الإداري غير القائد يحرص فقط على فعل الشيء بطريقة صحيحة. وأضاف أن «الإداري غير القائد يكتفي بما تم، وأن الطريقة صحيحة، فلا معنى للشعور بعدم العدل طالما فعل الذي عليه، كما هو موافق للتدبير بالمصلحة وليس في الشرع ما ينفيه، وسيمضي قدماً. بينما القائد الإداري لن يكتفي بأن يكون أدى ما عليه، وبذل الوسع واجتهد في التدبير بالمصلحة وليس في الشرع ما ينفيه، كونه يحرص على عمل الشيء الصحيح، فلن يهنأ من دون أن يزول عنه الإحساس بعدم العدل أو أن العدل منقوص، هذا فقط يستحق أن يوصف بالقوي الأمين». من أجل ذلك يقول الباحث: «تكون أهمية التفريق بين تدابير المصلحة وبين منهاج العدل، فتدابير المصلحة قد تتحقق جميع أركانها وشروطها وتنتفي موانعها عند المكلف، ولا تحقق العدل، ولكن يستحيل أن يتحقق العدل على منهاج صحيح من دون أن تكون المصلحة متحققة فيه، فالمصالح إنما هي كذلك لتبعيتها للعدل وليس العكس. ... العدل ليس «التسوية»! تطرق الباحث الأمير عبدالعزيز بن سطام في ختام بحثه إلى تعريف فقه السياسة الشرعية وتعريف أصوله، وأوضح أن فقه السياسة الشرعية هو العلم بالتدابير الفرعية للعدل في التصرف على الرعية من أدلتها التفصيلية، وأصوله هي العلم بقواعد استنباط التدابير الفرعية للعدل في التصرف على الرعية من أدلتها التفصيلية. مشيراً إلى أن هذا الحقل المعرفي في الدراية بالأفعال والأقوال النافعة عند الحاجة إليها يتطلب معرفة مهارات معرفية عدة وإتقانها، وتتضمن فقه النوازل وهو علم استنباط أحكام الأمور التي ليس لها سابق مثيل، إضافة إلى علم تغير الأحكام في أمور معهودة تغيرت، وعلم النظر في عواقب الأمور ومآلاتها. كذلك تتضمن علم تدبير المصالح الذي ينقسم إلى أفرع عدة، منها علم التعرف على المصالح وتقدير المصالح، والعمل بالمصالح، والعلم بمنهاج العدل، الذي يقول عنه الباحث: «ليس المقصود بالعدل التسوية، فالتسوية بين غير المتساويين أو المتماثلين ظلم، إنما المقصود بالعدل هو أن لا يتبع الراعي الهوى في سياسة رعيته، وأن يخشى الله، وألا يخشى الناس، وألا يشتري بآياته ثمناً قليلاً». ورأى أن للعدل طريق واضح وسبيل واحد هو «عدم مخالفة الشرع. وللعدل وسائل وأدوات، تزداد عدداً وتتمايز نوعاً وتختلف مشقة وشراً، وكلما اتسع نطاق الرعاية كماً وكيفاً وارتفع مدى التأثير وعمقه، في مثل تلك الأحوال لا يكفي العدل التلقائي الشخصي الذي يمارسه الأفراد بصورة مباشرة، فجانب المصلحة وطريق العدل فيها وإليها ربما يشق أو يستحيل قياسه وتقديره من دون استخدام وسائل علمية وتقنية متقدمة».