تنظر الحكومة العراقية بقلق الى الخطوات التي يزمع نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن اتخاذها في العراق تنفيذا للمهمة المكلف بها لتفعيل برامج المصالحة الوطنية المعطلة، خصوصاً أن زيارته لبغداد تزامنت مع إدراج واشنطن «كتائب حزب الله» العراقية ومستشار «فيلق القدس» على لائحة الإرهاب واتهمتهما بقتل جنود أميركيين وبإقامة علاقة مع «حزب الله» اللبناني وحركة «حماس» و «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل. مصدر قلق الحكومة العراقية يكمن في أنها على خلاف مع واشنطن حول برنامج المصالحة والأطراف التي يجب أن تشارك فيها، فضلاً عن أن إدراج «كتائب حزب الله» على قائمة الإرهاب الأميركية، يحرجها مع ميليشيات شيعية مثل «عصائب أهل الحق» التي ترتط ب «الكتائب»، وتقول إنها توصلت إلى اتفاق معها، بعلم الأميركيين لإلقاء السلاح وإطلاق رهائن بريطانيين تحتجزهم. وقللت الكتائب من أهمية القرار الأميركي معترفة بأنها تقدم الدعم اللوجيستي والتدريب للمسلحين. وكان بايدن وصل الى بغداد في زيارة مفاجئة مساء أول من أمس، هي الاولى لمسؤول أميركي كبير بعد انسحاب القوات من المدن نهاية الشهر الماضي. وجدد في تصريح إلى الصحافيين «إلتزام واشنطن بالإنسحاب من العراق وتحقيق التوافق السياسي» في هذا البلد، مبدياً «تفاؤلاً حذراً بمستقبل العراق». والتقى قائد القوات الأميركية الجنرال ري اوديرنو والسفير كريستوفر هيل في اطار مهمته. ورفضت الناطقة باسم السفارة الاميركية في بغداد سوزان زيادة التعليق على الزيارة مكتفية بالقول ل «الحياة» انه «سيجتمع مع القيادة العراقية وقادة الجيش الاميركي وسيبحث معهم تطبيق الاتفاق الامني بين البلدين». وبدت الاوساط المقربة من الحكومة العراقية حذرة في تقويم مهمة بايدن مع وجود خلافات بين واشنطن وبغداد حول برامج المصالحة وحدودها التي يقول سياسيون عراقيون وأميركيون انها معطلة، على رغم الاعلانات الرسمية التي تشير الى عكس ذلك. وقال النائب عن «الائتلاف العراقي الموحد» المقرب من المالكي عباس البياتي ان «هناك خلافاً بين واشنطن وبغداد حول مفهوم المصالحة على رغم نجاح حكومة المالكي في انجاز ملفات مهمة، لا سيما ما يتعلق بضباط الجيش السابق واستيعابهم في الجيش الحالي أو إحالتهم على التقاعد». لكن البياتي أكد ان الزيارة التي تتضمن لقاءات مع كبار المسؤولين العراقيين ستركز على «نقطتين: هما الحدود الإدارية لإقليم كردستان وقانون النفط والغاز»، في اشارة الى تصاعد الخلاف بين بغداد واقليم كردستان، حول اقرار برلمان الاقليم دستورا يستقطع مناطق من الموصل وصلاح الدين وديالى وواسط، بالاضافة الى كركوك. ويشمل الخلاف على المصالحة الوطنية المكلف بايدن تفعيلها الموقف من البعثيين والمعارضين والجماعات المسلحة غير الشيعية و «مجالس الصحوة»، بالاضافة الى طريقة تطبيع الأوضاع لإتاحة الفرصة أمام المهجرين للعودة. وكانت «الحياة» كشفت اتصالات بين اميركيين وبعثيين جرت في عمان حديثاً، وتبدو هذه النقطة الاكثر حساسية لأن الحكومة العراقية ترفض التعامل مع البعثيين. ورحب رئيس لجنة المصالحة في البرلمان وثاب شاكر بزيارة بايدن، وكان قال في تصريح الى «الحياة» ان مؤتمرات المصالحة التي عقدت خلال الفترة السابقة «سياحية». لكن تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر استنكرها وطالب خطيب الجمعة في مدينة الصدر سهيل العقابي «المصلين بالتظاهر بعد الصلاة رفضا للزيارة». وكانت واشنطن قررت بالتزامن مع زيارة بايدن اعتبار تنظيم «كتائب حزب الله - العراق» المقرب من تيار الصدر تنظيما ارهابيا، وقررت تجميد اصوله المالية. وشمل القرار «ابو مهدي المهندس» الذي كان نائباً عن كتلة «الائتلاف» الشيعية بتهمة التورط في عمليات ضد مصالحها في عدد من الدول ومنها الكويت. واعتبر مراقبون قرار الخزانة الاميركية عامل احراج للحكومة العراقية التي كانت فتحت قنوات اتصال مع مجموعة «عصائب اهل الحق» المرتبطة ب «الكتائب» وكان متوقعاً الافراج عن قادتها مقابل الافراج عن خمسة مخطوفين بريطانيين تحتجزهم منذ عام 2007 وسلمت جثتي اثنين منهم اخيرا. لكن القيادي السابق في «جيش المهدي» ابو محمد الساعدي قلل في تصريح الى «الحياة» امس من اهمية الخطوة الاميركية وتأثيراتها في الحوارات الجارية بين الحكومة ومجموعات مسلحة شيعية، خصوصا بعد تنفيذ الانسحاب الاميركي من المدن. واعتبر الشيخ احمد الحمداني المقرب من «عصائب اهل الحق» و «الكتائب»، في تصريح الى « الحياة» ان «كتائب حزب الله» كانت «تقوم بمهمة تقديم الدعم اللوجستي والتدريب للعناصر المسلحة وتدرب متخصصين في مجال استخدام اسلحة معينة داخل العراق وخارجه». وتابع: «لكن بفضل توصل عصائب اهل الحق الى اتفاق القاء السلاح والانخراط في العملية السياسية من جهة، واستمرار تجميد عمل جيش المهدي عسكريا من جهة ثانية، ستكون عواقب القرار الاميركي محدودة جدا. ولن تتعدى كبح جماح قوى شيعية تستمد قوتها من هاتين المجموعتين في عملها السياسي». وفضل الحمداني عدم ذكر اسماء هذه القوى.