لم يكن متوقعاً أن تدهم السلطات في مصر بعد الثورة التي رفعت شعارات «عيش... حرية... عدالة اجتماعية» مقار منظمات حقوقية طالما عانت من اضطهاد النظام السابق لها. ولذا كان طبيعياً أن تزداد حدة الانتقادات الموجهة إلى المجلس العسكري على خلفية اقتحام قوات من الجيش والشرطة مقرات عدد من المنظمات المحلية وثلاث منظمات دولية كلها أميركية هي المعهد الوطني الديموقراطي والمعهد الجمهوري الدولي ومؤسسة بيت الحرية. وقدّمت 39 منظمة حقوقية شكوى إلى كل من المقرر الخاص المعني بالحق في التجمع السلمي وحرية تكوين الجمعيات في الأممالمتحدة، وكذلك المقرر الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان في المنظمة الدولية، استنكرت «الحملة على منظمات المجتمع المدني والحض على كراهيتها». واعتبرت هذه المنظمات أن اقتحام هذه المقرات «مرتبط بالحملة الشرسة التي يقودها المجلس العسكري والحكومة ضد المجتمع المدني... ويعد سابقة في تاريخ العمل الحقوقي». ورجحت أن تطاول هذه الحملة عشرات من المؤسسات الحقوقية «للتشهير ووصم كافة النشطاء». ونقلت وكالة «فرانس برس» من جنيف عن رافينا شامداساني الناطقة باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن «منظمات المجتمع المدني أوردت أن ملفاتها تعرضت للتفتيش والتحفظ عليها ومنع العاملون فيها من مغادرة مكاتبهم طوال المداهمات». وأضافت: «يبدو واضحاً أن ما ترمي إليه السلطات من جراء هذا السلوك هو ترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان الذين دأبوا على انتقاد الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان في مصر منذ أمد طويل، بما في ذلك في ظل النظام السابق». وقالت مفوضية حقوق الإنسان إن المداهمات ليست إلا جزءاً من العديد من الحوادث التي جرت خلال الأشهر الأخيرة التي عرقلت فيها السلطات عمل منظمات المجتمع المدني. وكانت النيابة العامة قررت إغلاق مقري «المركز العربي لاستقلال القضاء» و «مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان» وفي وقت لاحق أغلقت مقر المعهد الديموقراطي الأميركي في محافظة أسيوط (جنوب مصر). واعتبر مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان الدكتور بهي الدين حسن أن «حالة العداء» بين المنظمات الحقوقية والمجلس العسكري ملموسة حتى قبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) الماضي، مشيراً في هذا الصدد إلى مداهمة قوات الشرطة العسكرية في 3 شباط مقر مركز هشام مبارك الذي كان مقراً لغرفة العمليات المشتركة لرصد انتهاكات حقوق الإنسان خلال الثورة. وأضاف حسن: «إلى الآن لم تتراجع حال العداء من العسكري تجاه الحقوقيين بل توحش العسكر خشية فضح انتهاكاتهم لحقوق الإنسان... نرصد كل الجرائم التي ترتكب تحت إشراف المجلس العسكري وهذا شيء مقلق جداً بالنسبة إليهم»، مشيراً في هذا الصدد إلى تحذير المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان العسكريين من أنهم سيكونون عرضة للمحاسبة القانونية (الدولية) بسبب تجاوزاتهم. واعتبر حسن أن هذه الحملة هدفها إرهاب المنظمات الحقوقية وأنها تأتي في إطار التوطئة لاستمرار سياسة استهداف الثوار. وشدد على أن مداهمة المنظمات الحقوقية لم يكن لها أي سند من القانون. وقال: «وجود ممثل للنيابة لا يضفي على هذه المداهمات الصفة القانونية ومشاركة قوات من الجيش فيها تطور خطير جداً... لم يتم تحرير محاضر بطبيعة المواد التي تمت مصادرتها، وبالتالي نحن أمام محاولة تأليف جريمة، فما الذي يمنع أن يقال إنه وجدت قنابل أو أسلحة أو أي أشياء أخرى في مقار هذه المنظمات؟». ورأى بهي الدين حسن أن هذه الحملة «عملية سياسية موجهة لإسكات هذه المنظمات أو إصابتها بالرعب وهي رسالة موجهة للداخل بالأساس، لكن غير مستبعد أن تكون شكلاً من أشكال الحوار الخشن مع الإدارة الأميركية، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن تقييد المعونة العسكرية لمصر لاعتبارات تتعلق بحقوق الإنسان»، لافتاً إلى أنه «كان من المفترض أن يصدر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قرار من الكونغرس بتقييد هذه المعونة ولكنه تأجل... إنها إشارة من المجلس العسكري إلى عدم الرضا عن مشروع القرار الذي أقره مجلس النواب ويناقشه مجلس الشيوخ خلال شهر». وقال عضو البرلمان الخبير السياسي الدكتور عمرو حمزاوي إن الحملة ضد منظمات المجتمع المدني هدفها إيصال رسالة لها بأن «المجلس العسكري يدير الأمر ويسيطر على الأوضاع فضلاً عن التحذير من أي مخالفة مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الأمور تحتاج إلى توضيح لأن هناك خطوطاً حمراء بخصوص تمويل أي منظمة». وأكد حمزاوي أنه لا يعارض التحقيقات لكن المنظمات التي دُهِمت لم يتم التحقيق معها أصلاً وبالتالي فإن ما جرى «محاولة لإعادة السلطوية في التعامل مع المجتمع المدني بعدما علا صوته في انتقاد انتهاكات العسكر وطالب بمحاسبتهم». وأعرب عن اعتقاده بأن «الخارج قد يكون المخاطب الثاني في هذه الحملة ... لا مانع من وجود رقابة وطنية على المنظمات الدولية العاملة في مصر لكن المشكلة في غياب المعلومات، وبالتالي أرى أنها حملة منظمة في إطار تشويه العمل الحقوقي». أما عضو المجلس الاستشاري أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة فأعرب عن اعتقاده بأن هذه الحملة موجهة للداخل بالأساس. وقال ل «الحياة»: «أعتقد أن لها علاقة بما يثار حول قضية تمويل هذه المنظمات، لكن أسلوب المداهمة كان فجاً ولا يمكن قبوله مع الاعتراف بحق الدولة في تنظيم طريقة عمل هذه المنظمات ومصادر تمويلها التي يفترض أن تتمتع بالشفافية... هذا حق المجتمع حتى لا تتحول هذه المنظمات إلى بؤر للتخريب أو الفساد»، لكن حسن أكد أن تعامل السلطات مع هذه الأمور «يجب أن يكون وفقاً للقانون ولا يصح مداهمة مقار المنظمات والاستيلاء على محتوياتها، بهذه الطريقة الهمجية غير المقبولة».