في الوقت الذي اغلقت سورية واليمن الحدود امام الأعلام الاجنبي والعربي، وتعرقل دول شرق اوسطية عديدة عمل الصحافة، يقضي الصحافيون الاوروبيون، بعض افضل ايامهم وسط حرية مطلقة في ليبيا، وبالتحديد في شرق البلد، وذلك نظراً الى ان المجلس الوطني الانتقالي فتح الأبواب بالكامل للراغبين بالتغطيات الاعلامية. فالحكومة الموقتة هناك لا تملك مخاوف الحكومات العربية التقليدية من الاعلام. هي ايضا لا تخشى الانتقادات الموجهة اليها، فغياب التنظيم عن الحرب التي يشنها الثوار ضد نظام القذافي، والذي يبرز في معظم التغطيات الاوروبية الحديثة للحرب المستمرة هناك، يثير التعاطف اكثر من الغضب، ويدفع الاعلام الى تاجيج الاسئلة عن دور اكبر للمجتمع الدولي في مساعدة هذا الكيان الهش الضعيف. ويشير ايفاد مجموعة من الصحافيات والصحافيين الاوروبيين المعروفين الى بنغازي والمدن الخارجة من سيطرة القذافي، الى الاهمية التي توليها مؤسسات صحافية اوروبية للصراع المستمر منذ أشهر هناك. فابرز صحافيي البرامج الاخبارية الهولندية، والبلجيكية، وهيئة الاذاعة البريطانية، وبرامج الاخبار في القناة الرابعة البريطانية، وقناة «الاي تي في» التجارية البريطانية، قدموا في الاسابيع الماضية تغطيات اخبارية تلفزيونية من بنغازي، ومدن ليبية آخرى. ووصل بعضهم الى آخر الحدود الليبية – الليبية الجديدة، والتي تفصل «بلاد» القذافي عن ليبيا الخارجة عن سيطرته. وأتاح الاستقرار الامني في مدينة بنغازي، المجال لتغطيات تلفزيونية لافتة لبعض البرامج الاوروبية الاخبارية. فتقرير برنامج «نقاط مشتعلة» والذي عرض قبل ايام على شاشة القناة الرسمية الهولندية الثانية، انطلق من رفض الحكومة الهولندية الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، قبل التحقق من شعبية المجلس هذا وتمثيليّته الحقيقية. ولقد ترافق هذا مع لقاءات لا تخلو من التفصيل، مع ممثلي الهيئات الديبلوماسية الاوربية، وبخاصة ممثل الحكومة الايطالية، الذي قال بصراحة، غريبة عن طباع المسؤولين الحكوميين، ان النفط هو أحد اسباب اهتمام حكومته بعلاقتها مع حكومة ليبية جديدة، مؤكداً ان هذا أمر لا يستدعي الخجل. فالليبيون يرغبون ببيع نفطهم، وايطاليا ترغب بشراء هذا النفط! وقدّم هذا التقرير في طريقه، مشاهد ممتعة من الحياة اليومية في بنغازي، كتلك التي مرت على صور الشهداء الليبين الذين سقطوا في القتال الدائر، وعلقت على جدران عديدة في المدينة . والمشاهد التي قدمت جامعة فارغة من الطلاب، مع صوت استاذة جامعية ليبية تحدثت عن سنوات طويلة من السيطرة الامنية الكاملة على الجامعة. وانتقدت ايضا تخبط المجلس الوطني الانتقالي الليبي في تعامله مع بعض القضايا الداخلية في المدينة واخرى تخص الوضع القانوني للمجلس كممثل عن الشعب الليبي. أما تقرير برنامج «واضح»، الذي عرض ايضا على شاشة التلفزيون الهولندي الرسمي قبل ايام، فإنه على رغم تصويره في طرابلس، وتحت مراقبة السلطات الامنية التابعة للعقيد معمر القذافي، نجح في تقديم بعض اللقاءات المهمة، منها مع قسّ كنيسة في طرابلس، تحدث عن علاقته الشخصية بالقذافي، والتركيبة المعقدة للزعيم الليبي، والتي تجعل رحيله طواعية، أمراً من الصعب توقعه. كذلك نجح التقرير، وبفضل الانفلات الامني الذي بدأ يضرب المناطق التي يسيطر عليها القذافي، في التسلل الى المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وقدّم من مدينة صغيرة مهجورة، مشاهد عن السكون المخيف الذي ضرب المدينة. وبدورهما قدّم برنامجا «بانوراما» البلجيكي، و «أخبار الليل» البريطاني، تقارير متنوعة على مدار الاسابيع الماضية، عن الحرب المعقدة الدائرة في ليبيا، والتي وصفها أحد مراسلي «بي بي سي»: «بأنها غطست في رمال الصحراء، وان القذافي هو الذي يملك النفس الأطول حالياً». وعلى رغم ان التحقيقات التلفزيونية تلك، أظهرت فرقاً امنية صغيرة، رافقت مراسلي القنوات التلفزيونية الاوربية، الا ان الجميع شدد على الامان الكبير في مناطق شرق ليبيا، وقارن بعض من عمل في العراق، بالظروف الامنية الصعبة للغاية في العراق، وكيف أعاقتهم عن تنفيذ خططهم، والآثار المترتبة عن إعلام لا يصل الى المناطق المشتعلة، والصورة التي لا تصل مكتملة للمشاهدين جراء غياب الأمن.