إذا كانت غالبية القنوات التلفزيونية الاوروبية ستنقل على الهواء مباشرة، الاحتفال الكبير الذي يقام في مدينة نيويورك، يوم الاحد المقبل، بمناسبة مرور عشر سنوات على اعتداءات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، فإن هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي» أعلنت أنها ستخصص ساعات تلفزيونية، لتنقل ايضاً، ومباشرة من قلب مدينة لندن، احتفالاً كبيراً، لتتذكر الستّين مواطناً بريطانياً الذين قضوا في الاعتداءات ذاتها. لكن اهتمام «بي بي سي» لن يقتصر على يوم المناسبة فقط، ذلك أن البرامج الخاصة عن تلك الاعتداءات، والعالم الذي تغيّر بعدها، بدأت قبل شهر تقريباً. اذ تعرض قناة «بي بي سي» الثانية منذ اسابيع، برنامجاً ضخماً بعنوان «الحرب السرية على الارهاب»، موضوعه كما يدل عنوانه، الحرب العلنية والسرية التي تخوضها بريطانيا والولاياتالمتحدة الاميركية ضد التنظيمات الارهابية وأهمها تنظيم «القاعدة»، وهي الحرب التي انطلقت بعد ساعات قليلة فقط على انهيار برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وتبدو اليوم، وحتى بعد مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن، شديدة البعد عن نهاية سعيدة قريبة. تكشف حلقات البرنامج عن التجاوزات التي أقدمت عليها اجهزة الاستخبارات البريطانية والاميركية في حربها ضد تنظيم «القاعدة»، كالتعذيب الذي تعرض له اعضاء من التنظيم المذكور في سجون اميركية، او في تلك التي تعود الى دول العالم الثالث، عندما كان اعضاء اجهزة استخبارات الدول العظمى يتفرجون على زملائهم من استخبارات دول شرق اوسطية، وهم ينتزعون الاعترافات من محتجزين، باستخدام اكثر اساليب التعذيب وحشيةً. يكشف البرنامج ايضاً، والذي قدّم لقاءات تلفزيونية اولى مع مديري اجهزة استخباراتية بريطانية وأميركية سابقين، عن الأخطاء التي ارتكبتها هذه الاجهزة، في ايقاف الارهابيين الذين يقفون خلف اعتداءات الحادي عشر من أيلول وتفجيرات لندن عام 2005. فعلى رغم ان تلك الاجهزة كانت تملك شكوكاً عن بعض هؤلاء الارهابيين، إلا انها اهملت تعقبهم لأسباب تتعلق بعدم جاهزية تلك الاجهزة اللوجستية للتعامل مع ارهاب يضرب المدن الاميركية ذاتها، اذ كشف احد العاملين السابقين في ال «سي آي إي» أنهم، وبعد الحادي عشر من أيلول، اكتشفوا انهم لم يكونوا يمتلكون محققين يتحدثون بالعربية، للتحقيق مع الأعداد المتزايدة للمعتلقين من اصول عربية، الأمر الذي عقّد تحقيقات الاشهر الاولى، وأدى الى مزيد من الأخطاء. ومن شاشة القناة البريطانية نفسها، عُرض الاسبوع الماضي فيلم تسجيلي بعنوان «الحادي عشر من سبتمبر... بعد عشر سنوات»، عن نظرية «المؤامرة»، التي ترفض الرواية الرسمية لأحداث الحادي عشر من أيلول، وتتهم اجهزة أميركية بأنها وراء الاعتداءات. لا تكتفي الحلقة بتعداد «الحجج» التي يقدمها انصار هذه النظرية، بل تحاول ان تجد اجابة عن تلك الشكوك، بتقديمها لقاءات مع اختصاصيين وشهود كانوا في نيويورك او قرب مبنى البنتاغون، او قرب البحيرة التي سقطت قربها احدى الطائرات المختطفة في الحادي عشر من أيلول من عام 2001. بفيلمها التسجيلي هذا، تكسر قناة «بي بي سي» محرّماً تلفزيونياً اوروبياً، بمنح نظرية المؤامرة، اهتماماً كبيراً... على الضدّ من مواقف الكثير من المؤسسات الإعلامية الاوروبية الرصينة، التي ترفض الخوض بجدية في هذا الموضوع الحساس، والذي وجد في شبكة الانترنت، المحيط البديل الذي انتعش فيه، لتحصد الافلام التي تكشف تفاصيل هذه «المؤامرة» أرقام مشاهدة عالية جداً على مواقع مشاهدة الفيديو على شبكة الانترنت، رغم بدائية أو دوغمائية غالبيتها. ومن الولاياتالمتحدة الاميركية، رصد التحقيق التلفزيوني «المسلمون الاميركيون»، والذي عرض على شاشة القناة الإخبارية لل «بي بي سي» ايضاً، بعض التغييرات التي طرأت على حياة مسلمي اميركا بعد الحادي عشر من أيلول. وقدم الفيلم مشاهد بعضها مؤثر عن عزلة مسلمي المدن الاميركية الصغيرة، والذين يعاني بعضهم من مناخ الكره والتشكيك والذي بدأ في الحادي عشر من أيلول. اذ يعرض الفيلم، افلاماً صوّرها هواة من طريق الهواتف المحمولة، تظهر اميركيين يقفون امام باب احد الجوامع الصغيرة، مرددين شعارات عنصرية... ليقدم الفيلم بعدها لقاء مع عائلة فتاة صغيرة كانت في الجامع وقت تظاهرة العداء. الفتاة الصغيرة، تحدثت ببراءة للبرنامج عن انها لا تفهم ماذا يعني الشعار العنصري «عودوا الى بلدانكم» والذي تسمعه احياناً، وأنها لا تعرف بلداً آخر غير البلد الذي ولدت فيه وتتكلم لغته. قلق الفتاة، لا يقارن بذلك الذي يحمله كثر من جيل الآباء والامهات المسلمين، والذين يُدفعون منذ سنوات لمراجعة علاقتهم مع أميركا. البلد الذي كان قبل 10 سنوات فقط، بلد الأحلام لغالبيتهم.