كأني أراكِ تؤوبين من وطنٍ في المجازِ، تؤوبين محمومةً بالحنينِ إلى يرقاتٍ من الوجدِ، تأتين ك(...) يستقرئُ الغيبَ، حين تقولين: هذا كتابٌ صفيٌ يقدّسُ سرَّ الخصوبةِ، خذْ ما تبقى من الوعدِ، واتركْ سريرتَك الحلمَ للعابرين إلى مقتضى الحالِ، لا تبتئس بانقطاعِ المسافاتِ بين الجوى والهوى، علّ بعضاً من النسوةِ المستفيضاتِ في عتباتِ المدينةِ يمنحن وقتَك ما يشبه السرّ، هذي شمالك لا لون فيها فخذْ ما تيسر من وقتِك الغضِّ، سرْ بي قليلا إلى ظُلّةٍ نستكنُّ بها حيث لا نستضام من البعدِ، هذي يمينُك بيضاءُ تقرعُ بابَ الوشاياتِ، سرْ بي إلى شجرٍ حاسرِ الرأسِ يحمي من القيظِ، إني أرى قرويا تشهّى المدينةَ مذْ عابثته بأضوائها، فأحالته سبعَ سنابلَ، في كلِّ سنبلةٍ وجهُ أنثى، كثيرٌ نساءُ المدينة، يمكرنَ أكثرَ من غيرهن، يعاتبن أكثرَ من غيرهن، ويعشقن أكثرَ أكثرَ، يسرقن معنى القصيدةِ من شاعرِ لم يجدْ وطنا ماثلا في كلامِ النساءِ اللواتي شققن أكفَّ الضراعةِ عن مبتغاهن، لا يحتكمن إلى الشكِّ، هن الأنيقات، يشبهن ما شف من حكمة القروي النبيل.  أرى قرويا تشهى المدينةَ حتى أفاضت بأسرارها البكر، أغوته لما تشبثَ بالنسوةِ ال يحتكمن إلى الغي، كنَّ نساءُ المدينةِ يحملنَ شايَ الصباحِ إلى بعضهن، يثرثرنَ عن ليلةِ العيدِ، والغرباءِ الذين أتوا من قرىً أهلها يلبسون التمائم، والعابرين الأزقة بحثا عن الفضلات من الزعفران، وعن نسوةٍ لم يجدن كساءَ الشتاء، وعن بائعاتِ الخضارِ اللواتي قدمن من الريف لا يكترثن بنوع الرداء، ولا لون وجه العميل، وعن عانساتِ المدينةِ..إذ كيف يصبرنَ عن لذةِ ...ِ، هنّ كثيرٌ نساء المدينة، يمكرن أكثرَ من غيرهن، يعاتبن أكثرَ من غيرهن، ويعشقن أكثرَ أكثرَ، يقرأن شعرا على ملأ ليس عاداتُهم أن يروا نسوةً حاسراتِ الرؤوسِ.. يغنين ما يستبيح العواطف منه، ويرقصن في ساحةِ الزارِ، لا يعتنين بعاداتِ أهل القرى والمدينة مادمن في شهواتِ الفرحْ.  كأني أنا.. أو كأنكِ أنتِ مثارَ السؤالِ عن اللا وجود، إذا أين حدُّ الأقاويل، أين مسارُ الحديث الذي لم يدرْ بيننا.. حيث لا قولَ يحكمُنا في التفاصيل، لا أنا من يستكينُ إلى صورةٍ في خيالِ القصيدة، لا أنتِ من يتغشى الكلامَ على غير ما علة في الحديث، كأنّا بدأنا تعشقنا، أو كأنّا بدأنا التوحد في الجسدَ المستحيل.  أرى... لا أرى في المدينةِ إلا خطا القروي النبيل، نساءً يراقصن عشاقَهن، شيوخا تماهوا مع الوقت يسترجعون الحكايا عن الحب، بائعَ خبزٍ يداري ندوبا على وجنتيه، ونادلَ مقهىً يباشرُ مستشرقا لا يبالي بمن حوله، صبيا يرتبُّ مستودعا للقماش الدمشقي، أمّاً تداعبُ مولودَها بانتشاءً وتضحكُ، تضحكُ من فرطِ نشوتها، سلالمَ تفضي إلى هجرةٍ للمكانِ، مآذن تلجأُ للصمتِ، أرصفةً لا ملامحَ للحبّ فيها، ميادينَ تخلو من العشبِ، صورتَها في الجدارِ الموازي لدارِ المسنين، نقشاً يحاكي امتثالَ الرقيقِ لأسيادهِ، أرى.. لا أرى في المدينة إلا ملامح أمي، وظلَّ أبي، وروحي التي سكنتها النساء، فتى آبقا عن عيون الجواسيس، وجهَ غريب يعانده الحظُّ مثلك، بعضا من النسوة الحاسرات الرؤوس، وضوء قناديل من فضة, وقوسَ قزحْ.