كان طموحاً، لكنه لم يكن منتظراً، لذلك جاء مفاجئاً. فالاتحاد الخليجي وعلى رغم الحاجة الملحة إلى وجوده، إلا أن شعوب المنطقة كانت سلمت منذ زمن بأن لقاءات القادة ما هي إلا نشاط بروتوكولي يعقد سنوياً، حتى دول الجوار، كانت تشعر بأن دول الخليج العربي لم تتمكن من تحقيق أهدافها من خلال مجلس تعاون ينشط الحديث عنه في نهاية العام، بيد أن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز خرجت كوصفة تهدف إلى ضخ الحياة والرفاه من جديد بين شعوب المنطقة، وبغض النظر عن الشأن الداخلي، فما يحدث في محيط الخليج العربي يدفع إلى ضرورة ترجمة أية رغبات ونوايا صادقة، من هنا لاقت تلك الدعوة ردود فعل في الأوساط الخليجية كافة، وبانتظار نظيرتها الخارجية. ما يميز هذه المرحلة أن إيران وتطوراتها التي كانت أحد أسباب تأسيس تكتل خليجي بعد حربها مع العراق هي ذاتها إيران التي تنتظر رد فعل عسكري جراء سياساتها المتطرفة، وبخلاف إيران، وجدت دول مجلس التعاون نفسها في محيط مشتعل، وأوضاع غير مستقرة، لكنها على رغم ذلك خرجت من تلك الاضطرابات التي تدور حول البيت الخليجي أكثر قوة وصلابة، فاليمن يشهد مرحلة انتقالية واضطرابات في أفغانستان والباكستان، وفي سورية تشهد الأوضاع تفجراً يوماً بعد يوم، وفي لبنان التوتر سيد الموقف، وهناك في مصر لا يمكن التنبؤ بما يحدث وأيضاً السودان وتقسيمه، وما يحدث في ليبيا وتونس من ولادة مرحلة جديدة، وأخيراً العراق وما يهدد العملية السياسية التي تعاني من مرض مزمن بعد انسحاب القوات الأميركية وإنهاء الاحتلال، ومن بينهم جميعاً تبرز إيران المطلة على الخليج العربي بأطماعها ومغامراتها وسياساتها الاستفزازية، جميع تلك الظروف شكلت دفعاً لإخراج هذا المارد الذي حلمنا به كثيراً. لكن في المقابل لن يكون لذلك المارد شأن ما لم تتم تهيئة الظروف في الداخل لتمكينه من العمل في الخارج، وإذا كنا نقر بضرورة أن يكون الاتحاد مهيأ أمنياً، فإن اقتصاره على ذلك الجانب لن يشكل فارقاً كبيراً، فدول المجلس وكما هو معلوم متشابهة في الدين والثقافة والتاريخ وكل ما يمكن أن يذكر، لكن ذلك التشابه لن يكون كافياً لخلق وحدة، فالأصل في ما يشهده العالم الآن هو المصلحة، وتحصين هذه المجتمعات على الصعد كافة، وتوظيف المقومات لتعظيمها، وبالتالي ستتطلب المرحلة المقبلة التي لن تكون مفروشة بالورود، تنازلات لتحقيق الغرض من الوحدة، ولعل أبرز هذه التنازلات هي المشاركة الشعبية، وهذه أتصور ستكون واحدة من أبرز العقبات التي ستواجهها دول المنطقة، لكن طالما وجد العمل الصادق، فلا يمكن لمثل هذا أن يكون عائقاً، فالطموح هو توظيف المكونات كافة وتمكينها من القيام بأدوارها، سواء كانت ملموسة أو محسوسة، وهنا إيضاً علينا إذابة الفروقات بين مداخيل الدول الست، فشاهدنا خلال الفترة الماضية تلويح دول بتقديم دعم مادي لدول أخرى في المجلس، وهذا بحد ذاته مؤشر إيجابي، لكن ينبغي تفعيل الجانب الاقتصادي مع الجوانب الأخرى لتحقيق بيئة واحدة مستقرة اقتصادياً على غرار ما هو متوقع من استقرار سياسي وأمني. المنطقة لا شك في أنها زاخرة بالطموح والإمكانات، ولعل أبرز ما يمكن الإشارة إليه هنا أن قادة الدول الخليجية لديهم مخزون لافت من المعرفة والحنكة والتجربة، إذا كل ما يمكن أن نحتاج له متوافر ولم يكن متبقياً إلا المبادرة، اليوم جاءت المبادرة ولم يعد متبقياً إلا التنفيذ، نأمل تسخير تلك الخبرة وذلك الطموح سريعاً، فالعالم يتحرك إلى الأمام، وبيدنا أن نجاريهم في ذلك التحرك. [email protected] twitter | @Saud_alrayes