استيقظ المواطن في الخليج العربي ليجد نفسه أمام مشروع كبير، يستطيع أن يرى أوله، لكن يتعذر عليه رؤية آخره. مشروع الوحدة الخليجية طموح كبير لكن التحديات أيضاً كبيرة، فنحن نتحدث عن خلق بيئة جديدة في عالم متجدد يعدو سريعاًفيما كان البطء سمة من سماتنا، غلف تحركاتنا كافة، وعرقل مشاريع كان من الممكن أن تكون نموذجاً لمنظومات ودول أخرى. وبمقارنة سريعة بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي يتضح أن فرص خلق وحدة خليجية أيسر بكثير من نظيرتها الأوروبية، لكن على رغم ذلك تخلفت هذه الدول عن تحقيق هذا الطموح كثيراً، فاتحدت أوروبا، على رغم تاريخها الملطخ بالدماء، وبقيت دول مجلس التعاون التي يشكل سكانها امتداداً لبعضهم البعض، سواء كان دينياً أو قبلياً أو ثقافياً أو حتى اقتصادياً، من هنا لاقت دعوة المملكة لوحدة خليجية ردود فعل إيجابية، فالمرحلة تحتم تأمين الجبهات كافة في هذه الدول، وإن اتفقنا أن الجبهات الداخلية باتت محصنة في جزء كبير منها، إلا أن الجبهات الخارجية لا تزال مفتوحة ويسهل اختراقها، ما يعزز الحاجة لتأمينها. وليس خافياً أن الدعوة جاءت منقذاً لهذا المجلس الذي يعيش أبناؤه مرحلة إحباط تطغى داخلياً في الدول الأعضاء كافة، وكانت الآمال قد بدأت تتلاشى تدريجياً في أن تتمكن هذه المنظومة من تحقيق فائدة تنعكس في شكل مباشر على أبناء المنطقة، وعزز هذا الشعور الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة، ودفعت كل دولة من دوله أن تخطو في مسار مختلف عن الأخرى، جميع تلك الظروف عززت من حال الإحباط الخليجي، يضاف إليها العقبات التي اعترضت عدداً من المشاريع الوحدوية التي تم اقتراحها في السابق، والتي كان المواطن الخليجي ينتظرها ويطمح إليها، لكن وعلى رغم تلك التحديات كانت الأوضاع في الداخل شبه مستقرة، ما جعل فكرة الوحدة غائبة تقريباً لدى الكثيرين، وبالنظر إلى هذه الدعوة ومقارنتها باتحادات كونفيديرالية أنشئت على مر التاريخ، يتلمس المتابع أن معظم تلك الكونفيديراليات ولدت على أنقاض حروب وانقلابات وخطوات انفصالية، لذلك سريعاً ما تلاشت، فيما الوحدة الخليجية المقترحة تأتي وسط ظروف استقرار شبه كامل في الداخل، وإمكانات اقتصادية تمكن من فرض واسع لها في ما لو تم توظيفها وتأمينها بخلاف المقومات الأخرى من ثقافية وتاريخية ودينية التي تم التطرق لها سابقاً. إذاً الفرصة مهيأة اليوم وبعد أكثر من 30 عاماً من عمر المجلس التنسيقي أن تتحد دوله، بيد أنه وعلى رغم هذا العمر، والحجم الكبير من الطموح سمعنا عن تحفظات من بعض دول المجلس، وهذا لا يعيب الفكرة نهائياً، بل إنه مطلب ملح أن تكون هناك تحفظات، ويجب ألا يحبطنا ذلك بأي حال، بل على العكس، لأنه سيدفعنا إلى الحوار ومناقشة تلك التحفظات والعمل على الوصول إلى قمة التلاقي التي من شأنها أن تهيئ أرضية صلبة للوقوف عليها. يبقى المهم والأهم، وهو أن الفكرة، وعلى رغم أن إطلاقها اتسم بالشجاعة، إلا أن إطالة أمدها قد يفقدها معناها، وأيضاً قد يعيدنا إلى المربع الأول، فأمام قادة هذه الدول مسؤولية كبيرة هم بلا شك يدركون حجمها، ومسؤولية أخرى أن المبادرة جاءت منهم في وقت أصابنا اليأس من تحقيقها، وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى جدية العمل وعدم تشتيت هذا المقترح بدراسات وبحوث ولجان يتم تشكيلها، ف «30» عاماً التنسيقية الماضية كانت كافية لأن تمدنا بالطموح، ولان تغتاله في ما بعد، أما الآن فنأمل ألا نستغرق 30 عاماً مقبلة لتطبيق هذا المقترح المطلب على أرض الواقع! [email protected] twitter | @Saud_alrayes