أُرهق المجتمع الدولي وهو يدعو إيران إلى التعقل والعودة إلى جادة الصواب، ولعل آخر تلك الدعوات هي التي لخصها الأمير سعود الفيصل بأمله أن «تُراجع إيران مواقفها وتغير سياستها، وأن تحمي المنطقة بدلاً من أن تكون سبباً في تدميرها»، لكن «مراجعة المواقف»، وعلى رغم أنهما كلمتان، لكن لو التزمت بهما إيران لاضطرت إلى تغيير سياستها، ولو تغيرت سياستها لوجدت نفسها في موقف المدافع والمحافظ على أمن المنطقة، فالمواقف الإيرانية، والعبث الذي تمارسه منذ بداية ثورة الخميني، لم تسهم إلا في عزلة هذا البلد عن محيطيه العربي والدولي، كما أنها تحولت إلى معول يسعى لهدم ما بنته المنطقة على مر السنوات الماضية، ترى هل بإمكان إيران في هذه المرحلة أن تتجاوز إرثها الذهني والثقافي وتتعايش مع واقع أنه لا يوجد ما يميزها عن دول المنطقة، وشأنها شأن أي دولة تقع على الضفة الأخرى للخليج العربي؟ للوهلة الأولى، يبدو أن الإجابة ستكون، لِمَ لا، لكن في حقيقة الأمر، إيران من الداخل أضعف مما تبدو كثيراً، فهي تأكل بعضها بعضاً، والفئة التي تضمن استمرار رفاهها هناك هي تلك التي تمجد سقطات خامنئي وهنات أتباعه، ولا أدل على ذلك من الإصلاحيين وما آل إليه مصيرهم، إيران أيضاً أوهن من أن تتخذ هكذا خطوة وتراجع مواقفها، فمن الصعوبة بمكان مطالبتهم بتقويم فكر تشربوه، بعضهم اتبعه قسراً، وآخرون تعودوا عليه، وهي أضعف من أن تكون أداة حماية لهذه البقعة، فلا يوجد لديها ما تؤمن به المنطقة، فما تملكه آليات متهالكة تقودها عقول مهترئة تعمل على ضمان وجودها من دون أن يكون للآخرين وجود في المعادلة، وأيضاً هي لا تمانع أن تكون سبباً في تدمير هذه المنطقة، فعقليتها تهيئ لها أنها قادرة بشكل أو بآخر على الإمساك بزمام الأمور، ومادامت تعجز عن ذلك في منطقة مستقرة فما يزعجها أن تكون مدمرة؟ قد تجد لها فرصة آنذاك. إذاً دعوة سعود الفيصل إيران لاتخاذ خطوة مثل هذه من دون أدنى شك ينظر له في إيران على أنه انتحار سياسي ومن قبله انتحار ثقافي قد يجر الويلات على المعممين هناك.إيران الصفوية، الجامع للمذهبية والعرقية، الآداتان اللتان طغتا على الوهم الفارسي عقوداً طويلة، بحسب ما يتداوله مثقفون إيرانيون قبل غيرهم، لا يمكنها اليوم أن تتخلى عن تلك الأدوات التي تستخدمها، فهي ضمان لاستمرارها، وضمان لاستمرار ثورتهم المزعومة التي لا يزالون يحشرونها حشراً برؤوس الإيرانيين، بينما خارج إطار حدودهم، فهم يعبثون بالمال لإقناع الآخرين بضرورة حشرها، لذلك نجد من يخرج من وقت لآخر ليمجد تلك الثورة التي شقت وحدة الصف الإسلامي، وللتطاول برموزها والسعي لعملقتهم مقابل تدهور عمق الذات الإيرانية مع كل تحرك يشهده محيطها. القرار الإيراني اليوم ليس بيد من يقود البلاد من أزمة لأخرى، فأي تراجع عن الفوضى من جهة والتخلي عن التعبئة التي يمارسونها لنشر أيديولوجيتهم التي يقومون عليها من الجهة الأخرى، يعني ببساطة انكشافهم وانحسارهم، ومن ثم أفولهم، ومع إدراكهم أن الأمور تسير في غير صالحهم على أكثر من صعيد، باتت إيران كالديك «الأحول» الذي قام أحدهم بذبح ديك آخر بجواره فقام الديك بالانتفاض متوقعاً أنه من تم ذبحه. إذاً الهستيريا الآن هي من يقود المشهد الإيراني، فما تشهده المنطقة من أحداث جعل إيران المريضة من الداخل، والمنبوذة من الخارج، كالمحتضر الذي يسعى لإثبات أنه لا يزال في كامل عافيته، فيما هو يتعرض للموت البطئ، ولعل آخر التقليعات الإيرانية هو الجهاد الإلكتروني، وهذا النوع من التفكير الذي قاد إلى هذا النوع من الإجراء يؤكد تخبطهم ويعكس الأزمة التي يعيشونها، ترى هل من يفكر بالتخريب والفوضى سيستجيب لدعوات المراجعة والعقل والمنطق؟ لا أستطيع أن أرى إيران بلا أزمات، فنظامها يقوم على ذلك، ويمنح الامتيازات والحوافز لخلقها، وإذا كان الخميني لجأ إلى مفاتيح الجنة قبل موته ليحفز بها، فيبدو أن خلفه خامنئي سيحفز ب«الآيباد»...! [email protected] @Saud_alrayes