أن تستمتع بمشاهد المطربة الكويتية «شمس» وهي تعطر الشاشة الصغيرة في أغنيتها الأخيرة «اشطح اشطح»، فهذه ديموقراطية، وعلى الزوجات الالتزام بذلك، لكن أن تصدقها وتشطح، فهنا أنت خارج دائرة الديموقراطية. لعله من أجمل التعريفات التي سمعتها عن هذا الحراك الذي ينسب له فضل «الربيع العربي» المزعوم، هو ما قرأته للفيلسوف شعبان عبدالرحيم المعروف ب «شعبولا»، فالحكمة عند هذا الرجل وجدت أن الديموقراطية في نظره «أنك تمشي براحتك، وتنزل على السلم وأنت سايب إيدك»، فالديموقراطية «اتخلقت للأدب مش لقلة الأدب». هذا تعريف رجل بسيط لا علاقة له بالهيغلية «غيورغ هيغل»، ولم يحفظ أطروحات «جون لوك» ولا «جان جاك روسو»، بل قال ما شعر به بتلقائية، ولو قال في معرض تعريفه أن تنزل بواسطة المصعد لاتهمته على الفور بالمواربة، لكن الرجل دقيق في وصفه. مقابل هذا التعريف البسيط لممارسة هذا الحراك والجدل الذي أثاره، يخرج بحجة الديموقراطية رجل يتهجم على آخر بقوله: «سندوس على قبيلته»، فترد عليه إحداهن «كانت أمه راقصة»، وكانوا «يلعبون به وهو صغير»، فيتطوع آخر بقوله «سنأخذ حقنا بيدنا». هذا مشهد شهدناه أخيراً، ليس تمثيلياً بل واقعي يجسد الخلاف على مفهوم الديموقراطية، وإذا ما كانت هناك ديموقراطية بالفعل. «كلمات ليست كالكلمات»، بل هي «سيرة وانفتحت» على المشهد الكويتي، فالحراك الذي نشهده هناك أيقظنا فجأة من حلم عشناه طويلاً أوهمنا ب «ديموقراطية» كانت الكويت تُفاخر بها، وهكذا عشنا منذ أواخر الستينات الميلادية، كنا نرى في الكويت ربيعاً دائماً، حتى وإن حجبها الغبار، لكن ما حدث أخيراً أيقظ فينا أسئلة كانت غائبة علينا، هل ما نشاهده فعلاً حراك ديموقراطي؟ لن أجادل في ذلك، لكنني شخصياً أرى أنه أبعد ما يكون عن ذلك، بل يدفعني لإعادة التفكير والاعتراف بأن تجربة الكويت «الديموقراطية» مشكوك في حقيقتها، قد يختلف معي من يختلف، لكنني أرى أنها كانت خدعة تعرض لها الأشقاء هناك، وصدقناها نحن وصفقنا لها كثيراً، فما نشاهده الآن في تجربة «الديموقراطية المزعومة» في الكويت هي أيدٍ مكبلة، وأقدام كسيحة، وجدت كشعار تم رفعه وتعريضه للهواء للتلاعب فيه، والأرجح أن هذه الديموقراطية المزعومة لا تمت للديموقراطيات التي تعج بها المناهج، بل هي حراك تم تفصيله على المقاس لتغطية الجوانب المشوهة من ذلك التفصيل. فالأزمة في الكويت ليست رجلاً يُتهم بأن أمه «راقصة»، ولا «سوبرمانية» آخر سيدوس قبيلة لموقف شخصي، ولا رد فعل من مجموعة فضلت أخذ حقها بيدها. الأزمة باختصار أزمة مواطنة يعيشها الشارع الكويتي بفصولها كافة، تحت مصطلح سياسي مطلوب منه أن يكون نمط لإدارة حياة مجموعة، واللافت أن هذه الأزمة لا تقتصر على الكويت، بل إنها تشمل الخليج العربي بأكمله، ولو وجدت هذه الظروف لدى أي دولة خليجية أخرى، لما استغربت أن نرى المشهد ذاته يتكرر، حتى وإن كانت تلك الدول لا تدعي بديموقراطيتها، لكن الأدوات ذاتها متوفرة لديها. دعونا نفكر كيف نتمكن من إيقاظ المواطنة الحقة من دون أن نشطح مع المطربة شمس، ومن دون أن ننزل السلم لوحدنا، مثلما قال شعبان عبدالرحيم، وأيضاً من دون أن نكون كالجرذان، مثلما قال الراحل معمر القذافي، الذي أيقظ قذافي صغيراً داخل كل منا، يردد «من أنتم»...! [email protected] Twitter | @Saud_alrayes