لعل الأمر الأكثر طرافة، الذي شهدته أخيراً، هو طلب الرئيس اللبناني ميشال سليمان «توضيحاً رسمياً» من السلطات الإيرانية حول وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني في بلاده، رداً على تصريحات لا تحتمل اللبس، فاخر بها القائد الأعلى للحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري واعترف علانية بوجود عناصر من حرسه في لبنان وسورية. مكمن الطرافة هنا في دهشة سليمان من تلك التصريحات واستغرابه من الوجود الإيراني في بلاده، وكأنه أمر لم يسبق أن مر على مسامعه أو شعر به! بطبيعة الحال الرئيس اللبناني انطلق من قاعدة شرعية في السيادة الوطنية، لا غبار على ذلك، بيد أن السؤال عن أمر كهذا في وضع مماثل لهذه الدولة «المبتلاة»، يشبه إلى حد كبير أن تسأل أحدهم «كيف الحال»، وفي جميع الأحوال ستكون الإجابة مثلما هي دارجة في اللهجة اللبنانية «كتر خير الله». تصريحات الإيراني محمد جعفري، لا تحتمل التشكيك، وكانت اعترافاً رسمياً من رجل يفترض أنه مسؤول، وسبقت هذه التصريحات اجتماعاً مقرراً ل«الرباعية» في القاهرة (السعودية وتركيا وإيران بدعوة مصرية)، لكن ما حدث أن السعودية تغيبت «لارتباطات طارئة»، ولم يصدر عن الرياض توضيح رسمي بهذا الشأن، وما دام هو كذلك فلنترك الشأن الرسمي ونركز على المزاج الشعبي، ترى ما الذي يمكن أن نتوقعه من هكذا اجتماع في ظل الانقسام الواضح بين أطرافه حول الأهداف والسياسات والرؤية بشكل عام، والأحداث التي تشهدها سورية بوجه خاص؟ إيران تعترف أن لها وجوداً عسكرياً في سورية، وصرحت مراراً أن سورية هي ضلع في محور المقاومة (على حد وصفها) ولن تسمح بانكساره، وعلى استعداد للتدخل عسكرياً إذا تعرضت دمشق لأي هجوم دولي، وإيران ترى أي حل في سورية يجب ألا يمس الأسد، وتتمسك بالإصلاحات سبيلاً لإنهاء الأزمة، هكذا تقول طهران، ولهذا هي تعمل. في المقابل ترى السعودية، ومعها تركيا ومصر «المتذبذبة»، أن الشعب السوري هو الضلع الأول في المعادلة، وأن الهدف الأول هو وقف نزيف الدم السوري، وأنه ليس مهماً من يتولى السلطة ما دام الشعب السوري هو من سيختارها، أما الإصلاحات التي يجري تسويقها، فالشعب هناك قال كلمته، من أن أي إصلاح يجب أن يسبقه رحيل الأسد ونظامه القمعي، إذاً ما الذي يمكن أن يربط بين هذه الأطراف مادام الاختلاف هو سيد الموقف، وعن أي إصلاحات وحوار تبحث إيران الفارسية في سورية العربية؟ وهل تتوقع أن أكثر من 30 ألف شهيد من أفراد الشعب السوري قادرون على النهوض من قبورهم والصفح عن جرائم الأسد والتغاضي عن توجيهات حزب الله، والصد عن دعم النظام الإيراني الذي يضع في كفة ميزانه واحداً مقابل أكثر من 25 مليون مواطن؟ لا يبدو أن طهران قادرة على التعايش مع الانتكاسة التي تتعرض لها، ولا يبدو أنها ستتمكن من التعايش كدولة طبيعية وسط دول مستقرة، فهي دولة تتقن اختلاق الأزمات وتتمسك بها وتسعى إلى تصديرها، لذلك يخطئ من يتوقع أن طهران ستكون جزءاً من حل أي مشكلة في المنطقة، لأنها ببساطة هي جزء من كل مشكلة أو أزمة نستيقظ على وقعها من وقت لآخر، ومثلما تشكل الأزمات جزءاً من سياستها، سيجد كل من يتعامل معها أنه سيصبح طرفاً فيها. من هنا إذا كان الهدف من دعوة إيران إلى «الرباعية» بغرض ترويضها، فهو أمر غير مجدٍ على الإطلاق، فلا هي دولة قابلة للاحتواء، ولا هي دولة تحرص أن تكون فاعلاً في المجتمع الدولي، وإذا كان الهدف دعم أي جهد لإيقاف نزف الدم السوري، أيضاً لا تبدي طهران أي أهمية للشعب، فحرصها على الأسد ونظامه فقط، أما إذا كان الهدف مد يد الصداقة لها، فالعض هو أكثر ما يتقنه ساستها، وبالمناسبة، عضهم لا تنفع فيه الأمصال! [email protected] Saud_alrayes@