اجتمع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر المشير حسين طنطاوي أمس مع المجلس الاستشاري الذي عينه المجلس العسكري، على رغم استقالة نحو ثلث أعضاء الأخير احتجاجاً على مقتل 14 شخصاً بسبب استخدام الجيش القوة المفرطة في مواجهة متظاهرين. وناقش الاجتماع «سبل الخروج من الأزمة السياسية»، لكن طنطاوي رفض ضمناً الدعوات إلى تسريع نقل السلطة، سواء إلى رئيس البرلمان المنتخب أو عبر التعجيل بموعد انتخابات الرئاسة. وشدد على تمسكه بالجدول الزمني الذي أعلنه أخيراً ويقضي بتسليم السلطة منتصف العام المقبل. وفي تطور لافت، نظَّم آلاف من طلاب جامعة عين شمس مسيرة اتجهت إلى وزارة الدفاع للتنديد بمقتل اثنين من زملائهم في أحداث مجلس الوزراء تقدمهم رئيس الجامعة. وأغلقت قوات الشرطة العسكرية الطريق إلى الوزارة من ناحية ميدان العباسية لمنع وصول المسيرة من الوصول إلى الوزارة. وشارك آلاف في مسيرة نسائية في ميدان التحرير، احتجاجاً على انتهاكات الجيش بحق متظاهرات وسحل بعضهن وهتك عرض أخريات. وتجددت الاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الجيش والشرطة على رغم الحواجز الخرسانية التي أقامها الجيش لمنع الاشتباكات. وشكل عدد من الناشطين دروعاً بشرية لوقف التراشق بين الجانبين عبر الأسوار بعد ارتفاع أعداد الضحايا إلى 14 قتيلاً وأكثر من 700 مصاب. ودعت مجموعات شبابية عدة إلى تنظيم مليونية بعد غد أطلقوا عليها «حرائر مصر... ردِ الشرف»، في إشارة إلى الانتهاكات التي تعرضت لها فتيات ونساء في أحداث مجلس الوزراء على أيدي ضباط وجنود من الجيش. وكان مقرراً أن يجتمع نائب رئيس المجلس العسكري الفريق سامي عنان مع المجلس الاستشاري، لكن تطور الأحداث استدعى رئاسة طنطاوي للاجتماع. وخرج الاجتماع بتوصيات تضمنت «ضرورة إنهاء جميع مظاهر العنف فوراً، وحقن دماء المصريين، مع الحرص على تطبيق القانون على الجميع وصيانة كرامة المواطن المصري رجالاً ونساء، وتأكيد سيادة القانون، وإدانة أي انتهاكات أياً كان مرتكبها». وذكر بيان رسمي أن الاجتماع «أكد الالتزام بحماية المؤسسات والمنشآت والممتلكات العامة والخاصة بكل حزم ومنع أي محاولات للاعتداء عليها مع التأكيد على احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، والتأكيد على احترام حق التظاهر السلمي شرط ألا يترتب عليه تعطيل العمل بالمصالح العامة ومصالح المواطنين، على أن يتم تطبيق القانون بكل حزم بالقبض على المخالفين وتقديمهم للنيابة العامة». وحضر الاجتماع عنان ورئيس المجلس الاستشاري منصور حسن وعدد من أعضائه منهم رجل الأعمال نجيب ساويرس، والدكتور حسن نافعة، والقيادي في الحزب «المصري الديموقراطي الاجتماعي» الدكتور نور فرحات، ورئيس حزب «النور» السلفي عماد عبدالغفور، والمرشحان المحتملان للرئاسة عمرو موسى وسليم العوا. وشدد المجتمعون على «إعلان الحرص الشديد على العملية الديموقراطية واستكمال المراحل المتبقية من انتخابات مجلسي الشعب والشورى، مع الالتزام بالجدول الزمني المعلن لنقل السلطة بعد انتخاب رئيس الجمهورية في موعد أقصاه آخر حزيران (يونيو) 2012». وكان قتيل واحد على الأقل سقط في مواجهات اندلعت فجراً بين المتظاهرين وقوات الأمن في ميدان التحرير، إذ حطم متظاهرون مساء أول من أمس أجزاء من السور الحجري الذي أقامته قوات الجيش عند مدخل شارع الشيخ ريحان قرب ميدان التحرير، لتتجدد المواجهات بين الطرفين اللذين تبادلا الرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة قبل أن تطلق قوات الأمن الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين وتتقدم وحدات من الجيش والشرطة لمطاردتهم في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به. وظلت معارك الكرِّ والفرِّ مستمرة لساعات انسحبت بعدها قوات الجيش والشرطة خلف السور الحجري بعد أن سدَّ سلاح المهندسين في الجيش الثغرة التي فتحها المتظاهرون وتمت تعلية السور. ورشق متظاهرون القوة المكلفة بتأمين السفارة الأميركية القريبة من ميدان التحرير بالحجارة وهي ردت بإطلاق النار في الهواء لتفريقهم، فيما اعتلى صبية السور الحجري، ورشقوا قوات الجيش بالحجارة، لكن متظاهرين تدخلوا، وأثنوهم عن ذلك. وتحول ميدان التحرير صباح أمس إلى حلقات نقاش بين ضيوفه سمتها المشادات ما بين الداعين إلى وقف الاشتباكات مع قوات الأمن وتراجع المتظاهرين إلى الميدان وآخرين يرون ضرورة استمرارها لئلا تقتحم قوات الأمن الميدان مجدداً. وأصيب عشرات في الاشتباكات، فيما أعلنت مصلحة الطب الشرعي أنها انتهت من تشريح جثث عشرة قتلى من بين 13 في الأحداث وتبين من الفحص أن تسعة من الضحايا قتلوا بالرصاص الحي. ونظمت «حركة شباب 6 أبريل» وقوى أخرى مسيرة من ميدان التحرير إلى نقابة الصحافيين القريبة من الميدان للتنديد بالانتهاكات التي تعرضت لها الفتيات والنساء قبل أن يتوجه ناشطون في الحركة إلى منطقة الاشتباكات في شارع الشيخ ريحان لتشكيل دروع بشرية بين المتظاهرين وقوات الأمن لوقف الاشتباكات. وقالت عضو المكتب السياسي في الحركة أنجي حمدي ل «الحياة» إن «هذا التحرك هدفه الفصل بين المتظاهرين وقوات الأمن ووقف الاشتباكات، وأيضاً الطلب من الثوار الاعتصام في ميدان التحرير بعيداً من قوات الأمن وترك البلطجية الذين زرعهم الأمن وسط المتظاهرين للإساءة إليهم». وأوضحت أن الحركة لم تقرر بعد موقفاً نهائياً من المشاركة في الجمعة المقبلة. وكانت قوى شبابية عدة دعت إلى التظاهرة في مؤتمر صحافي في مقر حزب «غد الثورة» للردِّ على المؤتمر الصحافي للمجلس العسكري. وشهد المؤتمر عرض أشرطة مصورة لانتهاكات جنود الجيش أثناء الأحداث وتشكيك في روايات الجيش التي تحمل المتظاهرين المسؤولية عن اندلاع الاشتباكات. وقال الروائي علاء الأسواني في المؤتمر الصحافي رداً على الحديث عن أن ميدان التحرير لا يمثل جموع الشعب المصري إن «الميدان لا يمثل مصر عددياً، ولكنه يمثلها سياسياً». واعتبر أنه «يتم التركيز على الفتيات في السحل والضرب لكسر إرادة الثورة والثوار». وكان المؤتمر بدأ بالوقوف دقيقة حداداً على أرواح شهداء الثورة والأحداث التي لحقتها، ووزع خلاله بيان جاء فيه إن «البلاد تتعرض لمجازر ممنهجة ومستمرة على أيدي قوات همجية تقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتُلقي بالجثث في القمامة وفي أعماق النيل». واعتبر أن «المجلس العسكري عمد إلى نشر الأكاذيب ومحاولة قلب الحقائق وتصوير المتظاهرين العزل بأنهم مجموعات من البلطجية والمخربين، وهو من أصدر أوامره لقوات الجيش بفضِّ اعتصام مجلس الوزراء بالقوة المفرطة على رغم سلمية الاعتصام وعدم استخدام المعتصمين للعنف على الإطلاق». وانتقد «استخدام قوات الجيش المنشآت الحكومية المحيطة بمكان الاعتصام أمام مجلس الوزراء في مهاجمة المعتصمين». واتهم المجلس العسكري ب «تعمد إشعال الحرائق في المباني الحكومية لبث الرعب في قلوب المواطنين وإلصاق تهمة التخريب بالمعتصمين، والتقاعس عن دوره في حماية المنشآت التي احترقت». في غضون ذلك، نقل نواب وسياسيون اعتصامهم من أمام دار القضاء العالي إلى مقر نقابة الصحافيين بسبب مضايقات تعرضوا لها. واعتبر رئيس حزب «العدل» مصطفى النجار أن الاعتصام هدفه «حماية جيش مصر من أن يكون مثل النموذج الليبي أو السوري». وكان عدد من النواب والشخصيات العامة قرر الاعتصام إلى حين وقف العنف وتقديم القيادات العسكرية المسؤولة عن العنف إلى محاكمة مستقلة. ولمح المجلس العسكري ضمناً إلى استعداده لتقديم المتجاوزين إلى محاكمة عسكرية، إذ قال رئيس هيئة القضاء العسكري اللواء عادل المرسي إن «هناك عسكريين تتم محاكمتهم في المحكمة العسكرية في قضيتي أحداث ماسبيرو، وما عرف باسم كشف العذرية على محتجزات». وأضاف في بيان أن «قضية دهس المتظاهرين في أحداث ماسبيرو متداولة في المحكمة العسكرية العليا، ونظراً إلى عدم وجود ادعاء مدني أمام المحاكم العسكرية، فيمكن لأهالي الشهداء أن يتقدموا بكل طلباتهم في ما يتعلق بالوقائع محل القضية عن طريق النيابة العسكرية». وقال مصدر عسكري ل «الحياة» إن «عدد المتهمين في أحداث دهس متظاهري ماسبيرو ثلاثة، فيما يحاكم مجند طبيب في واقعة كشف العذرية». ودعا المرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد البرادعي المجلس العسكري إلى «المبادرة بإصدار أوامر لقوات الجيش والشرطة بالوقف الفوري لاستخدام القوة، وقصر نشاطها على حماية المنشآت العامة كي تتمكن القوى السياسية من احتواء الموقف وتهدئة الأمور». وقال: «على المجلس العسكري أن يرسل إشارة واضحة للجميع بأن قوات الجيش والشرطة ستلتزم بالقانون وضبط النفس في تعاملها مع المواطنين، وستقدم المسؤولين المتورطين في أحداث العنف إلى محاكمات فورية وعادلة بهدف أن نعود مرة أخرى شعباً وجيشاً شركاء في الوطن مع التركيز على تحقيق أهداف الثورة من حرية وكرامة وعدالة اجتماعية».