يوماً بعد يوم تفقد برامج «التوك شو» التي تمتلئ بها الفضائيات المصرية بريقها. ويعود هذا الواقع إلى أسباب متفاوتة، أهمّها ما يتعلق بتشابه مضامينها التي تعتمد في مجملها على تحليل وتفسير الأخبار سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية والتي وقعت على مدار اليوم في نصفها الأول، وتقدم في الثاني نقاشاً عن أهم القضايا الخلافية والأحداث الجارية. وكل هذا من خلال ضيوف «مكرّرين» لا يملون الظهور الفضائي وغالباً في شكل مستفز ليتحدثوا وينظّروا ويدلوا بآرائهم في كل شيء حتى لو كان «طبيخ» الست غالية، مقدمة برنامج «المطبخ» على فضائية «التحرير». وذلك فضلاً عن محاولات غالبية مقدمي هذه البرامج استعراض عضلاتهم في الاستحواذ على نصيب الأسد من الحوار وإبداء الآراء في كل كبيرة وصغيرة، والإصرار على تثبيت الكادر «كلوز أب» عليهم حتى في حال حديث الضيوف الجالسين إلى جوارهم، أو نقل التقارير الميدانية لمراسلي هذه القنوات مع الجمهور خارج الاستوديو، وهم يمثلون بما يفعلونه صورة مماثلة للدراما التلفزيونية التي أصابتها ظاهرة «النجم الأوحد» في مقتل أخيراً. بطاطا ومياه غازية وانضمت إعلانات المياه الغازية والبطاطا وكريم الشعر والسمن وبطاقات الهواتف النقالة وغيرها إلى هذه الأسباب، بعدما وجدت في برامج «التوك شو» ملاذاً آمناً لها بعد الأزمة الكبيرة التي أصابت سوق الدراما. ومثلما كان المتلقي يمل من إعلانات المسلسلات بسبب كثرتها وإقحامها بين كل مشهد وآخر، بدأ يعاني الأمر نفسه في برامج «التوك شو» وأدرك أن هذه البرامج أصبحت عن قصد تقدم خدمة إعلانية لا إعلامية، وهو ما يجعله يمسك ب «الريموت»، وبمجرد أن يكرر مقدم أو مقدمة البرنامج مفرداته من عينة «نلتقي بعد الفاصل» و «فاصل ونواصل» و «فاصل ونعود» و «ما تيجوا ناخد فاصل» حتى يفقد المشاهد قدرته على المواصلة، ويقوم بالضغط على الزر هرباً من «علقة» الإعلانات. ولأن المشاهد سيئ الحظ غالباً فإنه يصطدم بالإعلانات ذاتها على البرامج الأخرى، ويكون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستقرار على فضائية «التت» وزميلاتها من فضائيات الرقص الشرقي والغناء الشعبي التي انتشرت أخيراً، أو يغلق الجهاز تماماً، خصوصاً أن الإثارة الإيجابية التي كان يمكن أن تحدث في بعض حلقات هذه البرامج، أصبحت سلبية تماماً لتكرار القضايا نفسها التي تتم معالجتها، والتي على رغم سخونة الأحداث في مصر خلال العام الحالي على جميع المستويات لا تزيد على10 قضايا. بدائل وبعدما كان المشاهد يفاضل بين برنامجين أو ثلاثة تعرض على مدار الليلة خلال الفترة من التاسعة وحتى الثانية عشرة، ويمكنه أن يختار بين فقرة من هنا وأخرى من هناك، زادت البدائل أمامه في صورة أدخلته في حيرة شديدة، اختلط فيها الجيد بالرديء ما أنتج فوضى إعلامية عارمة ما بين قضايا الدين والسياسة والاقتصاد والأدب والفن والجنس والتشهير وغيرها، الأمر الذي يخلق من دون شك حالة من البلبلة لدى الرأي العام، كما أصبحت البرامج في ثوبها الجديد بعد ثورة 25 يناير تقدم بداية من السادسة مساءً، ويمتد بعضها، بفعل سخونة الأحداث وسطوة الإعلانات عليها إلى الثانية أو الثالثة من فجر اليوم التالي. كما انتقلت إلى مقدمي هذه البرامج ظاهرة البطولة المطلقة، إذ استقل كل واحد ببرنامج خاص به، فبعدما كان الجمهور يرى مثلاً محمود سعد وخيري رمضان وتامر أمين في برنامج واحد «البيت بيتك» ومن بعده «مصر النهار دة» أصبح كل واحد منهم يقدم برنامجاً مستقلاً وهو ما يحدث مع معتز الدمرداش ويسري فودة ومنى الشاذلي وعمرو أديب وهالة سرحان ولميس الحديدي وإبراهيم عيسي وريم ماجد وحسين عبدالغني وحافظ المرازي وعمر الليثي وريهام السهلي ومجدي الجلاد وشريف عامر وآخرين. ولا شك في أن مواقف بعض مقدمي هذه البرامج قبل الثورة ووضعهم على القوائم السوداء «العار» والإعلان عن المقابل المادي والأجور الفلكية التي يتقاضونها والتي تفجرت خلال الثورة وبعدها باتت تمثل مصدراً مهماً، وإن وجد في هامش شعور المتلقي، من مصادر انصراف الجمهور، خصوصاً أنه لم يعد ينطلي عليه تضامن المقدم «فلان» وزميله «علان» مع محدودي الدخل وإحساسهم اللانهائي بالفقراء.