ينفتح العراق على أزمة سياسية عميقة بعد تفاقم الخلافات بين القوى الشيعية والسنية بالتزامن مع اكتمال الانسحاب الاميركي وانتهاء مهمة بعثة «حلف شمال الاطلسي»، فيما سجل الدينار العراقي تراجعاً لافتاً مقابل الدولار الاميركي هو الاكبر منذ ثلاث سنوات وسط مخاوف من انهيار اقتصادي. وتنشغل الكتل السياسية بتداعيات مذكرة القاء القبض بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، في حين يعكف المالكي على عزل عدد من كادر الحكومة من اعضاء كتلة «العراقية». ولوحظ غياب اي دور اميركي في الازمة الحالية، بعدما كان السفير الاميركي يتدخل عادة للتوسط بين الاطراف. وأعلن «مجلس القضاء الاعلى» امس تشكيل لجنة للتحقيق في التهم الموجهة الى فريق حماية الهاشمي بالتورط في محاولة تفجير البرلمان العراقي، وقال في بيان إن «المجلس شكل لجنة من خمسة قضاة للتحقيق في التهم الموجهة ضد حماية نائب رئيس الجمهورية». وكانت وزارة الداخلية اعلنت اول من امس أنها ستعرض اعترافات لمتهمين تؤكد تورط جهات سياسية في عمليات «ارهابية»، لكنها عادت وأعلنت التريث في ذلك «من اجل سلامة التحقيق». وكشف مصدر حكومي طلب عدم ذكر اسمه ل «الحياة» ان «وساطات جرت من شخصيات سياسية عراقية لدى اعضاء في كتلة التحالف الوطني لوقف المذكرة القضائية بحق الهاشمي»، وأوضحت ان رئيس البرلمان الاسبق محمود المشهداني زار مساء اول من امس زعيم كتلة «التحالف الوطني» (الشيعية) ابراهيم الجعفري للتباحث في تداعيات مذكرة الاعتقال «وتم تأجيل تنفيذ المذكرة القضائية يومين لمنح الهاشمي وقتاً للرد على الاتهامات وتأكيد عدم صلة ضباط مكتبه بالتفجير». الى ذلك أكد عضو اللجنة القانونية في البرلمان محسن السعدون ل «الحياة» وصول طلب من المالكي الى البرلمان يتضمن سحب الثقة من نائبه لشؤون الخدمات، القيادي في «العراقية» صالح المطلك. وكان القيادي في كتلة «دولة القانون» ياسين مجيد، القريب من المالكي، اعلن مساء اول من امس ان المالكي طلب من البرلمان سحب الثقة من المطلك القيادي «لعدم اهليته وكفاءته ونزاهته»، بعدما اتهم الاخير في تصريحات صحافية المالكي بأنه «ديكتاتور لا يبني ويصعب التعامل معه». وبدأ المالكي تحركاً نحو شخصيات في كتلة «العراقية» بالتزامن مع عودته من الولاياتالمتحدة وسط انباء عن حملة اعتقالات في بغداد ومدن اخرى. وهددت «العراقية» بسحب وزرائها في الحكومة كخطوة تصعيدية بعد تعليق حضورها جلسات البرلمان. وأفادت النائب عن «العراقية» عتاب الدوري ل «الحياة» ان «جميع الخيارات مطروحة الان بما فيها سحب وزرائنا من الحكومة»، وطالبت الكتل السياسية بتلبية دعوة كتلتها الى «عقد طاولة حوار فوراً لايجاد حلول ناجعة وحقيقية تعزز المسار الديموقراطي وبناء دولة المؤسسات المدنية». ونشر موقع «العراقية» الالكتروني امس استطلاعاً اظهر ان 68 في المئة من المشاركين فيه يرون ان على «العراقية» سحب الثقة من الحكومة الحالية. وأعلن التيار الصدري امس ان سيجري وساطة عاجلة بين كتلتي «دولة القانون» و «العراقية» لانهاء التأزم. وقال رئيس كتلة «الاحرار» البرلمانية التابعة للتيار بهاء الاعرجي في بيان انه «ستكون لنا لقاءات مع قادة القائمة العراقية من اجل الوقوف على مشاكلهم وخلفية اتخاذ هذا القرار في هذه الفترة وكيفية الوصول الى حلول مرضية». الى ذلك تزامنت الازمة السياسية مع اعلان بعثة «حلف شمال الاطلسي» امس انتهاء مهمتها التدريبية في العراق، اثر قرار الحكومة العراقية بعدم منح منتسبي البعثة الحصانة القانونية. وقال اللفتنانت جنرال روبرت كاسلين في حفل انهاء المهمة «نحترم القرارات الخاصة بسيادة العراق ونحيي حقيقة أن العراقيين مسؤولون تماماً عن انتهاج طريقهم الخاص». وانسحبت الازمة السياسية على سعر صرف الدينار العراقي، وشهد الدينار انخفاضاً بنسبة 4 في المئة خلال اليومين الماضيين. كذلك انخفض مؤشر البورصة العراقية في جلسة امس بنسبة 0.82 في المئة وخفض البنك المركزي مبيعاته للدولار الى اقل من عشرة ملايين. وسجلت المصارف الاهلية حركة سحوبات واسعة خلال اليومين الماضيين من قبل شركات ومؤسسات اقتصادية فضلاً عن تجار ومواطنين وتحويلها الى الخارج.