طوت بغداد وواشنطن أمس ثماني سنوات ونيف من الاحتلال العسكري الأميركي في العراق، كانت كلفتها باهظة للطرفين، بشرياً واقتصادياً وسياسياً، وتركت انعكاسات سلبية على علاقات البلدين الاقليمية والدولية، وتداعيات على وضعيهما الداخليين، لا سيما بالنسبة الى العراق الذي غرقت مكوناته بعد سقوط نظام صدام حسين في تجاذبات دامية قبل ان تتوصل الى تسوية تعايش لا تزال مهتزة وتعاني من ثغرات كبيرة. ومع عبور المجموعة الاخيرة من جنود اللواء الثالث في فرقة الفرسان الاميركية الأولى الحدود العراقية - الكويتية ليل السبت - الأحد، في قافلة من 110 آليات أقلت 500 جندي، تكون عملية «حرية العراق» التي أمر بها الرئيس السابق جورج بوش في 20 آذار (مارس) 2003 انتهت عملياً وقانونياً في عهد خلفه باراك أوباما، ولم يبق على الاراضي العراقية سوى 157 جندياً اميركياً للمساعدة في تدريب القوات العراقية تحت سلطة وإشراف السفارة الاميركية، اضافة الى مجموعة من مشاة البحرية (مارينز) لحماية هذه السفارة. لكن تسلم العراقيين المسؤولية كاملة عن بلدهم لا تعني ان مشكلاتهم باتت أقل، فقد تزامن انجاز الانسحاب الاميركي مع تصعيد داخلي ينذر بعاصفة سياسية وربما أمنية، على خلفية مذكرة التوقيف الصادرة بحق نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي بعد اتهامه ب «تمويل عمليات ارهابية» بينها محاولة تفجير مقر البرلمان، ورد «كتلة العراقية» التي ينتمي اليها الهاشمي بتعليق عضويتها في البرلمان وتهديدها بالانسحاب من الحكومة الائتلافية مع تكتل «دولة القانون». وفي تطور ذي صلة، اخرت السلطات العراقية امس سفر الهاشمي الى اقليم كردستان للاجتماع بالرئيس جلال طالباني وطلبت التدقيق في هويات حراسه الشخصيين الذين كانوا معه على متن الطائرة في مطار بغداد، قبل ان تعتقل اثنين منهم لوجود مذكرتي توقيف بحقهما. وأتبع المالكي مذكرة التوقيف بحق الهاشمي بطلبه رسمياً من البرلمان سحب الثقة من نائبه لشؤون الخدمات صالح المطلك، القيادي ايضاً في «العراقية»، بسبب تصريحات له وصف فيها رئيس الوزراء ب «الديكتاتور»، لكن اوساط كتلة اياد علاوي اعادت الأمر الى حملة منظمة قالت ان المالكي بدأها بعد عودته من واشنطن وتستهدف «تطهير» ادارته من المعارضين. وفي الوقت نفسه، بدأت ملامح أزمة اقتصادية في الظهور مع اتمام الانسحاب، تمثلت في تراجع سعر صرف الدينار العراقي بنسبة 4 في المئة خلال اليومين الماضيين، وانخفاض مؤشر البورصة العراقية في جلسة امس بنسبة 0.82 في المئة وخفض البنك المركزي مبيعاته للدولار الى اقل من عشرة ملايين، وتسجيل المصارف الاهلية حركة سحوبات واسعة من قبل شركات ومؤسسات اقتصادية، فضلاً عن تجار ومواطنين، وتحويلها الى الخارج.