قبل نحو سنتين، عرضت مسرحية «603» في رام الله وعدد من المدن الفلسطينية، وهي التجربة الإخراجية الأولى للفنانة منال عوض عن نص للفنان عماد فراجين، وكلاهما من نجوم الكوميديا الفلسطينية الشهيرة «وطن ع وتر». وكان العمل بإشراف المخرج البريطاني العالمي روفس نوريس. تناولت المسرحية، التي أنتجها مسرح «حياة»، المعاناة الإنسانية للأسرى الفلسطينيين من خلال حكايات أربعة أسرى، جسّد فيها فراجين دور «العربيد»، وهو أسير محكوم بالمؤبد. أما الفنان محمد الطيطي فقدم شخصية «أبو كرتونة»، وهو أسير من غزة في العشرينات من العمر، ينفّذ حكماً بالسجن نحو عشر سنوات، وكل همّه أن يخرج للقاء محبوبته غزل. بينما قدم الفنان إيهاب زاهدة دور الأسير «أبو ريحان»، وهو مدرّس سابق يعاني بين فترة وأخرى مشاكل نفسية بسبب تعذيبه من جنود الاحتلال خلال الاعتقال. وجسّد دور الأسير الرابع الفنان نقولا رزينة، وحمل اسم «أبو ناموسة»، وهو الأسير الذي يرغب في أن تشمله صفقة تبادل الأسرى، لكنه يخشى نظرة المجتمع، بعدما تزوج بكندية أخذت ابنتهما الوحيدة وهاجرت إلى موطنها. يحمل كل أسير منهم رقماً، وهم نزلاء في القسم «603» في أحد سجون الاحتلال الإسرائيلي. يبدأ العمل المسرحي بحالة انتظار وترقب يعيشها المعتقلون الفلسطينيون، بينما يجري الحديث عن صفقة قريبة لتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي، يغلفهم حنين لما يفتقدونه، ويأملون في أن يجدوه بعد خروجهم - الحلم من السجن. وترجمت المسرحية، أخيراً، إلى الإنكليزية والألمانية، وعرضها فنانون بريطانيون وألمان، كل على حدة، في لندنوبرلين، ناقلين بلغتهم المسرحية واللفظية معاناة الأسرى الفلسطينيين إلى شعوبهم الذين في مجملهم لا يعرفون عنها شيئاً. وعن الإنجاز غير المسبوق على مستوى المسرح الفلسطيني، يقول عماد فراجين، مؤلف «603» وأحد ممثليها، إن «المسرحية تعرض حالياً في لندنوبرلين حيث أخرجها بالإنكليزية المخرج البريطاني روفس نوريس وأخرجتها بالألمانية ليديا سيمكي، وهما مخرجان عريقان على المستويين الأوروبي والعالمي. وهذا إنجاز كبير ليس لي فحسب، بل للمسرح الفلسطيني عموماً». ويضيف: «مسرحية «603» هي تجربتي الكتابية الثانية في المسرح بعد مسرحية «فوضى» ذات الطابع التجريبي، موضحاً أنه استمر نحو سنة في كتابة المسرحية، بالتعاون مع مسرح «رويال» في لندن. وعن فكرة المسرحية يقول: «أثناء سفري عبر «معبر الكرامة» الفاصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن، والذي تسيطر عليه سلطات الاحتلال، وأثناء مكوثنا في الحافلة التي أُجبرنا على الانتظار أكثر من ساعتين داخلها، تبعاً لمزاجية جنود الاحتلال، تذكّرت معاناة الأسرى وكيف ينتظرون فتح باب السجن الذي يقبعون خلفه منذ سنين، لعلهم يتنفسون هواء الحرية». ويؤكد فراجين أهمية المسرحية، خصوصاً في الوقت الحالي بعد إتمام المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى والإفراج عن حوالى ألف معتقل، بينما لا يزال الآلاف يعيشون يومياتهم الصعبة خلف القضبان. وعن ترجمة المسرحية إلى الإنكليزية والألمانية، يشير إلى أن دار نشر «نك هيرن بوكس» تلقفت نص المسرحية ونشرته بالإنكليزية الصيف الماضي، فيما جسّد ممثلون بريطانيون أدوار الأسرى الفلسطينيين الأربعة، في مسرحية بريطانية صرفة أخرجها نوريس. ثم ترجمت المسرحية إلى الألمانية بالتنسيق مع المخرجة ليديا سمكي، وتعرض حالياً في برلين. ويكشف أن وزارة الخارجية البريطانية وجهت إليه دعوة لزيارة لندن، للوقوف على واقع وتطور المسرح والحركة الثقافية البريطانية عموماً. ويلفت إلى أن أهمية ترجمة المسرحية تكمن في كون ممثلين بريطانيين وألمان «يجسدون معاناتنا، خصوصاً معاناة الأسرى، ما يعكس عمق الاقتناع بقضيتنا وعدالتها، وخصوصاً قضية الأسرى. والمثير أنهم نقلوا معاناتنا بروحهم ولغتهم، وهذا كفيل بجعلها تصل في شكل أعمق وأكثر تأثيراً إلى المتلقي الأجنبي»، معتبراً أن «الفن قادر على نقل القضية في شكل أكبر من الشعارات والخطابات».