لو كان «مجلس التعاون الخليجي» رجلاً.. لأنعشته. هذه المنظومة التي ولدت عشية الحرب العراقية – الإيرانية، هي التي حفظت أمن المنطقة منذ إنشائها في 25 أيار (مايو) 1981، كما أنها وبالنهج التشاوري الذي اتبعه قادة دول الخليج العربي، أسهمت في تنمية المنطقة بشرياً واقتصادياً وعلمياً، وحققت الحد الأدنى من التكامل الاقتصادي والسياسي، ساعدها في ذلك الوحدة الاجتماعية للدول الأعضاء. منذ انطلاقة مجلس التعاون الخليجي لم تشهد المنطقة استقراراً سياسياً وعسكرياً، إذ تأسس المجلس في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الحرب العراقية – الإيرانية، إلى الشرق والشمال الشرقي لدول المجلس، ثم الاحتلال العراقي لدولة عضو في المجلس، ثم حرب تحرير الكويت، تلاها «الحروب» المتتالية على العراق وصولاً إلى احتلال بغداد في 9 نيسان (أبريل) 2003، ناهيك عن «حروب» اليمن الجارة الجنوبية لمجلس التعاون، والحرب على الإرهاب. كل هذه الحروب واللا ستقرار لم تؤثر في منظومة العمل الخليجي بل زادتها تماسكاً وصلابة وأعطت صناع القرار فيها ثقة بشعوبهم وقدراتهم في مواجهة التحديات أياً كان مصدرها. تجاوز الخليجيون ارتدادات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بحكمة العاقل، كما تجاوزوا تبعات «غزوتي أسامة بن لادن على الولاياتالمتحدة الأميركية «، كما تجاوزت بعض دول المنظومة الخليجية ضربات الإرهاب على أراضيها، بعد مواجهات عنيفة، خصوصاً في المملكة العربية السعودية التي قادت حرباً لا هوادة فيها على تنظيم «القاعدة» في كل شبر من أراضيها. هذا التماسك الخليجي في وجه عدم الاستقرار الذي يخلقه عمداً بعض جيران الخليج، تمثل في أبهى صوره، في التلاحم الخليجي في أحداث البحرين وإعلان قطر القبض على خلية تمولها إيران كانت تخطط لنسف جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين والسفارة السعودية في المنامة، كما أن المشاورات الخليجية – الخليجية تمكنت إلى حد كبير من تنفيس الاحتقان السياسي في الكويت بالأمس القريب. يشار إلى أن هذا التماسك الخليجي لم يكن يتأتَّى لدول ذات سيادة وتتمتع باقتصادات قوية ومؤثرة، لولا وجود الاحترام المتبادل والتراتبية العربية في الأعراف والتقاليد بعيداً عن البروتوكولات والأعراف السياسية من دون إلغائها، لكني أستطيع القول إن قادة دول الخليج دائماً ما يحيدون العرف السياسي ليُفعلوا العرف العربي الأصيل بداخلهم إلى أن يحلوا هذا الإشكال أو تلك القضية، لهذه الأسباب التي أدت إلى تماسك مجلس التعاون في عالم مضطرب ومنطقة غير مستقرة، أقول: «لو كان «مجلس التعاون الخليجي» رجلاً... لأنعشته.