نهشت جسده الأمراض، ثم حطمته الديون، وبين هاتين المحنتين أحيل إلى التقاعد، فزادت أوضاعه سوءاً، خصوصاً الأوضاع المادية، إذ يعول أسرتين ولا يفي بمتطلباتهما. ولم يخطر في بال «أبو ناصر» الموظف المعروف بسيرته العطرة التي حفلت بالعديد من المنجزات أن يترك وحيداً فريسة للمرض يرزح تحت وطأة الديون والحاجة، ويعيش منعزلاً ومنغلقاً على نفسه. لم ينسَ أبو ناصر أنه كان موظفاً مكافحاً حتى وهو يروي فصول معاناته، فظل محافظاً على رباطة جأشه: «أثقلت كاهلي الديون وسببت لي حالاً نفسية سيئة، ويكفي أن تعلم أن الديون التي تحملتها في سبيل البحث عن العلاج تجاوزت ال120 ألف ريال». ويضيف: «النظام واضح فيما يخص حالتي، لذلك اضطر المسؤولون، بعد اطلاعهم على التقارير، إلى إحالتي على التقاعد بعد خدمة 22 عاماً»، مستدركاً: «لكني استبعدت أن يكون النظام الجامد هو من يقدّر وضعي، لذلك توقعت ألا يتم إغفال الجانب الإنساني في المسألة». ولا يخفي رب الأسرة أن معاناته زادت بعد أن أحيل إلى التقاعد، «أصبح راتبي التقاعدي لا يفي بسداد أقساط المصرف الذي اقترضت منه، خصوصاً في ظل متطلبات الحياة التي يأتي في مقدمها إعالة شقيقاتي الثلاث، إضافة إلى أسرتي المكونة من سبعة أفراد». ويعد ناصر وهو الابن الأكبر في الأسرة وطالب في المرحلة الثانوية، أن الظروف القاسية التي أحاطت بأسرته أسهمت في تردي أوضاع الأسرة بشكل عام، مبدياً استغرابه من الوضع الذي وصل إليه والده، «طوال حياته كان يساعد الآخرين، وكان دائم العمل على إنشاء جمعيات أو مساهمات لمساعدة بعض أصدقائه أو أقاربه، ولم يتوقع يوماً أن يكون هو المحتاج». ويكشف ناصر أن المراجعات المتكررة للمستشفيات وكثرة الأسفار في سبيل البحث عن العلاج أرهق والده، «لا أظن أحداً سيتحمل مثلما تحمل والدي، فقد بحث عن العلاج في أكثر المستشفيات داخل البلاد، وتحمل جراء ذلك الكثير من الديون، ولم يأذن الله له بالشفاء». ويتابع: «لم يتوقف الأمر على مرض والدي، فقد أثرت الحال المادية المتردية على تحصيلنا العلمي، ولا أبالغ إن قلت إن أشقائي الصغار يذهبون وليس مع أحد منهم ريالاً واحداً يسد جوعه خلال الدراسة»، موضحاً: «أسرتنا تشارف على الانهيار، فراتب والدي التقاعدي قليل ويستقطع منه قسط القرض المصرفي، علاوة على قسط شخصي كان والدي اقترضه من شخص يعرفه، ولا يتبقى من الراتب سوى ألف ريال لا تفي حتى بقيمة علاجه الشهري، ولا تلبي متطلبات عيشنا أو دراستنا».