باريس - اف ب، رويترز - أصبح جاك شيراك (79 سنة) الذي اضناه المرض وبات يفقد الذاكرة، الخميس اول رئيس فرنسي تصدر ضده ادانة قضائية في شيخوخته بعد مشوار سياسي نادرا ما طال الى هذا الحد. وحكم على الرجل الذي شكل رمزا لليمين الفرنسي طيلة اربعين سنة وما زال يتمتع بشعبية كبيرة غير متوقعة، بصرامة لم تكن في الحسبان بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ دون ان يحضر ولو لمرة جلسات محاكمته. وقد قدم محامياه شهادة طبية تفيد عن اصابته باضطرابات عصبية "شديدة" "لا تشفى". ومنذ مغادرته قصر الاليزيه في 2007 بعد 12 سنة في الرئاسة كانت لجاك شيراك صورة رجل متقاعد هادئ يتجنب التدخل في السياسة. وفعلا سرعان ما اصبحت قامته الطويلة منحنية قليلا وصارت مشيته مترددة ما زاد في الشائعات حول اصابته بمرض الزهايمر. وبات شيراك في 2011 نقيض الرجل الشاب النشيط "الكثير الحركة" المعروف بانه "شديد المراس" في الساحة السياسية وكان في بداية مشواره يبدو مستعدا لكل شيء من اجل النجاح. وقد تورط شيراك في قضيتين سنة 1968، في خضم الثورة الطلابية عندما كان وزير منتدبا للعمل منذ سنة ومن حينها لم يترك القصور الوطنية حيث تولى على التوالي مناصب وزير الزراعة والداخلية ورئيس وزراء مرتين وخصوصا منصب عمدة باريس النافذ طيلة 18 سنة. ومن ذلك المعقل الباريسي شيد آلته للفوز بالسلطة حتى اتهم مرارا بانه وضع ادارة تلك البلدية الثرية في خدمة طموحاته. وتعود بعض القضايا الجنحية التي ذكر اسمه فيها وادت الى ادانته الخميس الى تلك الفترة. وانطلق شيراك مرتين في حملة الانتخابات الرئاسية في 1981 و1988 قبل ان يدخل بالنهاية قصر الايليزيه سنة 1995. وانتخب مجددا سنة 2002 منتصرا على مرشح الجبهة الوطنية جان ماري لوبن من اليمين المتطرف بعد خمس سنوات من ارتكابه خطا سياسيا كبيرا يتمثل في حل الجمعية الوطنية بينما كان حزبه يتمتع فيه بالاغلبية ففاز بها اليسار وفرض عليه تقاسم السلطة مع الاشتراكيين. وحظي بحصانة كبيرة يتمتع بها بفضل منصبه طيلة 12 سنة قضاها في الرئاسة ما سمح به بتفادي الملاحقات القضائية. ويرى فيه انصاره رجلا ودودا كريما بينما يعتبر اعداؤه انه يفتقر الى بعد الرؤيا وانه "قادر على الفوز بالسلطة اكثر من ممارستها" ومن الصعب العثور في حصيلة ادائه على ما قد يبقى في التاريخ. وعلى كل حال سيبقى من ذلك معارضته العنيدة للحرب الاميركية على العراق التي حال دون ان تخوضها فرنسا. وقد شهد خطه السياسي تقلبات كثيرة حيث انه عندما كان شابا التزم قليلا باليسار قبل ان يتبنى مبادئ الديغولية. ومع مر السنين تحول الى ليبرالي ثم متسلط قليلا ومشكك في الاتحاد الاوروبي ومنها الى اكبر المدافعين عنه، احيانا على يمين اليمين واحيانا حاجزا ضد كل اشكال التطرف. ويرى كاتبو سيرة شيراك انه رجل متناقض ومعقد يحبذ الاختلاط بالجماهير في المعارض الزراعية ويعشق البيرة وهو من المولعين بآسيا ومن اكبر المدافعين عن "الشعوب المنسية". وفي نهاية ولايته دشن في باريس متحف كيبرانلي للفنون الاولية وانشا لدى نهاية رئاسته مؤسسة تعنى بالتنمية المستدامة والحوار بين الثقافات. ويقيم شيراك في باريس مع زوجته برناديت في شقة تطل على نهر السين تعيرها له عائلة رئيس الوزراء اللبناني المغتال رفيق الحريري الذي يظل من اقرب اصدقائه. ويتمتع شيراك شبعبية كبيرة كانت نسبتها حتى الخميس على الاقل اكثر من سبعين بالمئة، حسب الاستطلاعات.