«هذه الحياة لم تعد تعنيني. أنا ذاهبة إلى العالم الأفضل. مكاني بات في السماء»، بهذه العبارات أنهت مارجوري ريموند، البالغة من العمر 15 سنة، حياتها عن سابق تصور وتصميم. لم تنتحر ريموند بسبب ذنب اقترفته أو فشل عاطفي أو مدرسي، ولا بسبب الإدمان على المخدرات أو خلاف عائلي، ولا لأنها تعاني من «مسّ» عقلي ما، أو من إعاقة مستديمة... وإنما بسبب تجاهل إدارة المدرسة شكاويها واستغاثاتها المتكررة، وعجز «الأمن التربوي» وفشله في التصدي لمنع المظاهر العدوانية الممارسة تجاهها من قبل زميلاتها... وفي غفلة من أهلها، أقدمت على الانتحار شنقاً. وقائع مؤلمة التحقيق بالأسباب التي دفعت ريموند إلى الانتحار، اظهر أن انتقالها إلى المدرسة الجديدة، العام الفائت، لم يكن على قدر الآمال، إذ أنها لم تجد من الصداقة والمودة والاحترام المتبادل. فتعرضت، وفقاً لسجلات المدرسة وشهادة والدتها، إلى تحرشات وإساءات قاسية من الاستفزاز والسخرية والتخويف والتهويل والعنف اللفظي والنفسي والجسدي... على ايدي رفيقاتها، اللواتي وصل الأمر بإحداهن إلى ضرب الضحية وطعنها بآلة حادة. اشتكت ريموند مراراً من ألإهانات المتعمدة والمتلاحقة، إلاّ أن إدارة المدرسة و «عناصر حماية الشباب» المكلفين ضبط الأمن وحماية الطلاب، لم يتخذوا أي تدابير مسلكية رادعة، إلا بعد وقوع الحادثة، حين اصدروا قراراً بفصل الطالبة المعتدية خمسة أيام. ومن اللافت أن «بطلة الجريمة»، وبدل أن تبدي ندمها وحزنها وتقديم اعتذارها، أطلت من على موقع فايسبوك مستهزئة ساخرة بقرار الإدارة من جهة، ومتباهية باعتدائها من جهة أخرى. والأخطر من كل ذلك أنها تلقت عشرات الرسائل الإلكترونية المؤيدة لتصرفاتها والمستنكرة لعقوبات الإدارة. ... وردود متباينة ولم تنته مأساة ريموند بوفاتها المفجعة أو بمساءلة المدير العام للجنة المدرسية جان لوثرن الذي اكتفى بالقول: «هناك لجان خصصت للتحقيق ووضعنا مخططاً لمواجهة ما يعرف ب «التخويف» – Intimidation، وإعادة تأهيل مرشدين نفسيين وصحة وخدمات اجتماعية». وفيما لم تلق شكاوى ريموند، لإدارة المدرسة، صدى وهي على قيد الحياة، دوّى وقع انتحارها في مختلف القطاعات التربوية والطالبية والشبابية والإعلامية والحزبية والسياسية وصولاً إلى الجمعية الوطنية الكيبكية (البرلمان). وفي حين وصف رئيس وزراء كيبك جان شاريه حادثة الانتحار ب «دارما مرعبة»، لافتاً إلى «ضرورة الإسراع بمكافحة العنف في مدارسنا قبل أن يتحول إلى ظاهرة خطيرة تهدد امن طلابنا ومستقبلهم»، اعتبرت رئيسة المعارضة في البرلمان بولين ماروا أن حادثة ريموند كشفت «هزالة مخطط التدخل السريع، وفشل عناصره المولجين حماية الأمن التربوي، عن حل التعديات الخطيرة التي يتعرض لها أطفالنا في عدد من المدارس». وسارعت إلى المطالبة «باتخاذ إجراءات رادعة لحماية الأطفال من العنف المدرسي، بما فيها الاستعانة برجال الشرطة ومعالجة مشاكلهم التربوية قبل أن يصلوا إلى حالة اليأس والانتحار». أما وزيرة التربية في الحكومة الكيبكية، لين بوشون، فرأت في إقدام طالبة في مقتبل العمر على الانتحار، «مؤشراً تربوياً خطيراً للغاية، ويشكل خسارة بشرية غير مقبولة تربوياً واجتماعياً ووطنياً». وعمد برينو مارشان المدير العام لجمعية التدخل في كيبك، إلى محاولة كبح موجة الاستنكار بالقول: «الانتحار عملية معقدة جداً بخلفياتها العائلية والمدرسية والاجتماعية»، معتبراً أنها «ما زالت في إطارها الفردي ونادراً ما تقتصر على عامل واحد». وهو الأمر التي شككت به الباحثة الكندية كلير بومون بطريقة غير مباشرة، مشيرة إلى أن 85 إلى 90 في المئة من المراهقين في المدارس يتعرضون إلى التخويف، ومعتبرة أن «الخطورة تكمن في تعرض التلميذ نفسه، للضغوطات مرات عديدة من دون أن نصغي إليه، أو نتحدث معه أو نقف على حقيقة مشاعره ومعاناته وغضبه وخوفه». ورأى المسؤول في الشرطة مارتون شارون أن الحل لمشكلة العنف في المدارس يقضي «بانتخاب لجنة من الطلاب تتولى توفير الأمن الذاتي بحكمة وروية من دون الاستعانة برجال الأمن إلا في حال الضرورة القصوى»، مضيفاً «أن عدم وجود المخاطر والاعتداءات والتخويف في المدارس أمر مستحيل، فالقانون يفرض التعامل مع التلميذ المعتدي على انه طفل ضال ينبغي استيعابه، وليس كمجرم».