مضى على تحرك الطلاب الجامعيين في مقاطعة كيبك الكندية اكثر من ثلاثة اشهر، وما زال الصراع على أشدّه بين اتحاداتهم والحكومة على خلفية زيادة الاقساط الدراسية، وتحول التحرك من نطاقه المطلبي الى قضية رأي عام على مختلف المستويات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولم يتعد التحرك الطلابي (بدأ في 13 شباط-فبراير الماضي) في الفترة الاولى لانطلاقته، بعض مظاهر الاحتجاج المألوفة كالاعتصامات في حرم الجامعات والمعاهد وأمام مكاتب وزارة التربية والتظاهرات السلمية المحدودة. الا ان كل ذلك لم يلق آذاناً صاغية لدى المسؤولين الكيبيكيين. فاتخذ التحرك أبعاداً لم تكن سائدة من قبل. وتجاوزت الأزمة الطلابية للمرة الأولى مثل هذه الفترة الطويلة. وهي مرشحة في الايام المقبلة الى «تصاعد وتصعيد اذا لم تُجر تسويتها» وفقاً لما اعلنته رئيسة اتحاد الطلبة الجامعيين مارتين دي جاردان. وواكبتها، كسابقة، تظاهرات ليليلة ونهارية صاخبة لم تخل من العنف والاعتقالات واحتشاد طلاب شبه عراة (من الجنسين) استخدموا اجسادهم لوحات للتعبير عن مطالبهم وسخطهم ضد بعض اركان الحكومة. وانضمت الى التحرك قطاعات واسعة داعمة للطلاب كالنقابات العمالية والاحزاب السياسية المعارضة وشريحة من الكتاب والفنانين والمفكرين وأساتذة الجامعات، وتميز بوفرة الاستطلاعات التي اشار بعضها الى ان التحرك الطلابي «لم ينجح في استمالة غالبية الرأي العام». ولفتت الى انه يرتبط بقضايا غير طلابية كالنزعة الاستقلالية والشخصية الثقافية المميزة لكيبك واستحضار مكتسبات الثورة الهادئة عام 1964 التربوية والسياسية، وإطلاق شعار «من اجل ربيع كيبكي»، وانقسام الحركة الطلابية بين غالبية مؤيدة منقطعة عن الدراسة وأقلية معارضة متابعة لها، وقيام كل منهما بتظاهرات لم تخل من مواجهات ساخنة احياناً. امام هذا المشهد الدرامي المعقد والمواقف المتصلبة وتوقف الحوار بين الحكومة والطلاب، سارعت لين بوشون وزيرة التربية ونائبة رئيس الوزراء الى تقديم استقالتها. واعترفت بفشلها في ايجاد تسوية معقولة بين الطرفين، الامر الذي احدث مفاجأة وصدمة في الاوساط التربوية والاعلامية. واعتبرت صحيفة «لو دوفوار» ان استقالة بوشون «هزت» حكومة شاريه التي قدمتها «كبش محرقة لأزمة معقدة». اما صحيفة «لا برس» فرأت ان بوشون ابدت «ليونة وانفتاحاً» كبيرين على معالجة قضايا الطلاب، ولكن حكومة شاريه اقفلت الباب في وجهها لرفضها فكرة احالة زعماء الحركة الطالبية الى القضاء»، مشيرة الى ان تعيين الوزيرة ميشال كورشين خلفاً لها «لن يغير مسار الازمة وإنما سيزيدها تعقيداً». ويبدو ان الازمة تخطت استقالة الوزيرة بوشون ومجلس الوزراء لتنتقل الى «الجمعية الوطنية في كيبك» (السلطة التشريعية ) حيث عقدت جلسات عاصفة مطولة اسفرت عن اصدار قانون رقم 87 في 19 ايار (مايو) الجاري. وتضمن سلسلة من الاجراءات والتدابير تقضي، كسابقة تاريخية، بتقييد حرية التعبير والتظاهر، ومنح الشرطة سلطات استثنائية تلزم المتظاهرين إعلامها بعدد المتظاهرين (ينبغي ألا يزيد عن 50 شخصاً)، وسلمية التظاهرات، وتحديد موعدها وانتهائها والشوارع التي تسلكها قبل 8 ساعات من انطلاقها، وعدم وضع الاقنعة على وجوه المتظاهرين، وتغريم المخالف مبلغاً يصل الى حدود 3 آلاف دولار، اضافة الى اعطاء الشرطة الحق بتغيير مسار اي تظاهرة حفاظاً على الامن والسلامة العامة. كما حظر القانون قيام التظاهر في حرم الجامعات والمعاهد، ومنع اي طالب من الضغط على زميل له او ارغامه على التظاهر او الحؤول دون وصوله الى كليته تحت طائلة عقوبات مسلكية ومالية قاسية. ازاء تلك التشريعات كان من الطبيعي ان تلقى اصداء ايجابية وأخرى سلبية تبعاً للانقسامات الحاصلة على المستويات الرسمية والشعبية والاعلامية والطلابية. فاعتبر رئيس الحكومة «ان القانون ليس تعسفياً، ويحظى بدعم شعبي ونيابي، وإقراره يعني ازالة مظاهر القلق والعودة الى الامن والتعليم والنظام العام». اما الطلاب فسارعوا الى رفضه واعتبروه «اساءة لاستعمال السلطة وتعدياً على الحقوق والحريات والتقاليد الجامعية». وجوبه بتظاهرات ليلية صاخبة لم تخل من العنف والمواجهات الدامية بين الطلاب ورجال الشرطة واعتقال اكثر من 300 متظاهر. واللافت ان رجال الخيالة قد لاحقوا المتظاهرين في الشوارع وجرى رفس بعضهم كما قال احد الطلاب» بطريقة مشابهة لموقعة الجمل» إبان الثورة المصرية ضد نظام مبارك، مستنكراً ان تقمع حرية التعبير بهذه الاساليب «الغربية على التقاليد الكندية». ويبدو ان رئيس بلدية مونتريال جيرار ترامبليه الذي دافع عن استعمال «القوة المفرطة» للشرطة في تفريق المتظاهرين والحفاظ على الامن، طالب حكومة شاريه «بعودة سريعة الى المفاوضات كحل وحيد لإنهاء الازمة الطلابية». ومن جهتها شنت زعيمة المعارضة بولين ماروا في البرلمان الكيبيكي حملة عنيفة على القانون وطالبت «بإلغائه فوراً» ووصفته بأنه «ظالم واستنسابي ويقيد اي تحرك مطلبي في المستقبل». ووصل الامر ببعص النواب المعارضين (أمير خضير من اصل ايراني) الى اتهام الحكومة بأنها «غير شرعية وفاسدة» داعياً الى «عصيان مدني» تشترك فيه جميع شرائح المجتمع المدني. وعلى المستوى الاكاديمي والحقوقي رأى جاك رويار استاذ التاريخ المتخصص بالقضايا الاجتماعية والنقابية في جامعة مونتريال ان «السلطة التشريعية في كيبك سنّت قانوناً لاحتواء التظاهرات لم يسبق له مثيل في تاريخ كيبك الحديث» في حين وصفه استاذ القانون في جامعة اوتاوا شارل باناسيو بأنه «تشريع خارج عن المألوف في الحياة السياسية الكيبيكية ودخوله حيز التطبيق الفعلي سيعقد المشكلة التي باتت مفتوحة على اكثر من احتمال». ويبدو ان ربيع كيبك «بدأ يحظى بحركة تضامن عالمية بدأت تتسع دائرتها لتشمل الى بعض المدن الكندية (فانكوفر) مدناً اوروبية وأميركية اخرى. ففي نيويورك خرجت تظاهرات نظمتها حركة «لنحتل» التابعة لرابطة (CUNY) في جامعة نيويورك كذلك في بعض الجامعات الفرنسية (باريس وليون) والسويسرية والروسية المدعومة من اليسار. وعلى صعيد الميديا العالمية خصصت كبريات الصحف والقنوات التلفزيونية مساحات وتحقيقات واسعة من ابرزها «لوموند» و «فيغارو» الفرنسيتان و «المساء» البلجيكية وقناتا «الجزيرة» الانكليزية و «سي ان ان» الاميركية.