لا شك في أن اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل في القاهرة أخيراً كان باعثاً للأمل لدى معظم الفلسطينيين على صعيد طي الانقسام، بخاصة أن التصريحات التي صدرت من قبل المسؤولين في كل من حركتي «فتح» و«حماس» أثلجت الصدور عندما رفعت سقف التوقعات وروجت لهذا اللقاء باعتباره لقاء حاسماً وتاريخياً سيحمل في طياته الكثير من المفاجآت على صعيد إنجاز المصالحة. لكن للأسف الشديد ليس كل ما يشتهيه المرء يدركه فاللقاء كان مخيباً للآمال والمشهد لم يكن مقنعاً حتى لكوادر الطرفين، ومحاولة تسويق البعض لهذا اللقاء (القمة)- كما يحلو لهم توصيفه - كان استخفافاً بالناس وتسطيحاً للعقول. ليس لدى الفلسطينيين ميدان تحرير كي يعلنوا بملء فمهم عن مللهم من هذه اللقاءات وليعربوا عن احتجاجهم لهذا التضليل الصارخ لهم، فطيلة الشهور التي سبقت التوقيع على اتفاق المصالحة وبعدها، كان الجانبان يؤكدان دائماً أن الحكومة هي عنوان المصالحة وهي مربط الفرس وأنه لا مصالحة من دون تشكيل حكومة توافق وطني وأن استمرار وجود رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض في موقعه على رأس الحكومة يعطل المصالحة. لكن بدا فياض بريئاً من تعطيل المصالحة براءة الذئب من دم يعقوب، وقد تم استخدامه فقط كواجهة لاستمرار الانقسام، فلو أن أبو مازن كان حقاً يريد إنجاز المصالحة لما أصر على التمسك بفياض ولقبل بأي اسم من الأسماء التي تم ترشيحها كبدائل عنه، والتي هي في معظمها سلام فياض، لأنها لا تختلف عنه كثيراً. أما بالنسبة لمشعل فإنه اعترف أخيراً بمحمود عباس رئيساً للشعب الفلسطيني وذلك عندما جلس معه في اللقاء الذي شاهدناه جميعاً عبر الشاشات، لم يجد مشعل هذه المرة أي ذريعة تضطره أو ترغمه على إفشال اللقاء رغم وجود مبررات كافية لتعطيل مصالحة، على رأسها ملف المعتقلين الذي مازال عالقاً لم يعالج بعد. لا زلت أذكر تصريحات مشعل في مؤتمر صحافي حضرته له في دمشق عندما علل رفضه إتمام المصالحة بعدم إطلاق سراح المعتقلين في الضفة العربية، والمتابع للشأن الفلسطيني يعرف أن قضية شكلية مثل مكان جلوس مشعل، هي التي عطلت التوقيع على اتفاق المصالحة أكثر من مرة. أعتقد كمواطنة فلسطينية وبحكم مهنتي المعنية بالشأن الفلسطيني أن المصالحة التي جرت بين عباس ومشعل كانت شكلية واللقاء كان بروتوكولياً بامتياز استخدمه كلا الجانبان ليحقق مصالح شخصية له. فأبو مازن أراد أن يرسل رسالة للإدارة الأميركية والإسرائيليين أن لديه بدائل أخرى، وذلك دون أن يقدم شيئاً فعلياً على الأرض حتى لا يخسر الأميركيين ويحافظ على خط الرجعة، فالرجل لا زال يتوق إلى العودة إلى مائده المفاوضات بل أنه يتحين الفرصة السانحة لذلك. وفي الوقت ذاته فإن أبو مازن، وهو يصافح مشعل، يترقب اللحظة المناسبة (اليوم قبل غداً) لمغادرة كرسي الرئاسة بشكل مشرف وبعد أن يرفع عن نفسه عبء المسؤولية عن الانقسام، ولسان حاله اللهم أني بلغت اللهم فاشهد ، فهو سيترك الجمل بما حمل بعد أن يكون قد برأ ساحته ونفض الغبار عن صورته. لكن الأمر مختلف بالنسبة لحركه «حماس»، فالوضع في سورية مقلق جداً للحركة، ويلاحظ تواجد مشعل في قطر معظم الوقت، مع حرصه على التواجد في دمشق من حين إلى آخر من أجل إثبات وجوده هناك ليس إلا. وحماس تعي جيداً بأنه لن تجد لها ساحة بديلة للانتقال إليها في ظل استمرار الانقسام، حتى لو حكم الإخوان المسلمين مصر. وليس سراً أن الإخوان المسلمين أنفسهم ابلغوا حماس بوضوح ضرورة تسويه خلافاتها مع حركه فتح. لذلك مشعل كان حريصاً على أن يقدم رسالة واضحة لا لبس فيها للجميع أن الخلافات مع فتح انتهت. قال لي أحد الفلسطينيين من أبناء غزة لقد طفح بنا الكيل بعد ما صرعوا رؤوسنا بالمصالحة التي أصبحت مجرد لغو، بينما علق فلسطيني آخر على لقاء عباس- مشعل: إنهم يغسلون أيديهم من الانقسام وكأن الانقسام صنيعة اللهو الخفي، بينما سألني آخر من رام الله مستنكراً إلى متى سنظل أسرى لهذه التنظيمات التي أصبحت عبأ علينا. يحمل البعض الفصائل الفلسطينية مسؤولية استمرار الانقسام، بل ويعتقد آخرون أن هذه الفصائل مستفيدة من جرائه (..) سألوني: لماذا لم تعتصم هذه الفصائل احتجاجاً على الانقسام سواء في ميدان المنارة في رام الله أو في ساحة فلسطين في غزة! الجدير بالذكر أن التنظيمات والفصائل الفلسطينية في أعظم الأحوال لا تشكل سوى 30 في المئة من الشعب الفلسطيني ورغم ذلك فإنها هي التي ترسم مستقبله وتقرر وتتحكم في مصيره. أخيراً المثير للتساؤل هو كيف للشعب الفلسطيني الذي كان نموذجاً يحتذى به لمواجهته أعتى ترسانة عسكرية في المنطقة بصدره العاري أن يقف صامتاً على ما يدور حوله وكأن الأمر لا يعنيه! متى ينهض هذا الشعب من غفوته ليصنع حاضره بيده ويحقق ما فشلت الفصائل في تحقيقه؟