شارك أكثر من ستة آلاف من أبناء النقب وعرب الداخل في تظاهرة ضخمة أمس قبالة مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية احتجاجاً على مخطط حكومي (مخطط برافر) يهدد بابتلاع مئات آلاف الدونمات من أراضي النقب (في الجنوب) التي يقيم عليها نحو 90 ألف شخص في أكثر من 40 قرية ترفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاعتراف بها ومنح أهلها أبسط مقومات الحياة، من خدمات صحية وتعليمية أو مواصلات وحتى عدم ربط القرى بشبكات المياه والكهرباء والطرق، وذلك بهدف تيئيس الأهالي وحملهم على الرحيل. وتقترح الحكومة على أصحاب الأراضي تعويضاً مالياً بخساً أو أراضي بديلة تقل مساحة وقيمة عن الأرض المصادرة. ورعت التظاهرة «لجنة المتابعة العليا» المنبثقة من جميع الأحزاب والحركات السياسية العربية في الداخل، والتي أعلنت إضراباً احتجاجياً عاماً في البلدات العربية أمس. وندد المتظاهرون بسياسة المصادرة التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية منذ إقامة الدولة العبرية والتي ابتلعت أكثر من 90 في المئة من الأراضي العربية. ورفع المتظاهرون شعارات تؤكد تمسكهم بالأرض، منها «نعم للاعتراف، لا للاقتلاع» و«الشعب يريد عدالة اجتماعية». وفي نهاية التظاهرة، ألقى قادة المتظاهرين كلمات أكدت رفض عرب النقب «مخطط برافر»، وشددت على وجوب اعتراف الحكومة الإسرائيلية بالقرى التي تعاني نقصاً خطيراً في الخدمات في المجالات المختلفة. وحيا الناطقون باسم عرب النقب الوقفة الوحدوية للجماهير العربية في الداخل التي أكدت أن مشكلة النقب هي الخطر الأكبر حالياً الذي يواجهها. وقال رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها إبراهيم الوقيلي إن «خطة برافر» تهدف إلى اقتلاع بدو النقب من أراضيهم، وهي أراض ورثوها عن أجدادهم منذ عشرات السنين وقبل قيام إسرائيل. وأضاف أن «الحكومة الإسرائيلية تريد الآن زجنا في مساحة ضيقة لتقوم بتوسيع الاستيطان في النقب». وكانت الحكومة صادقت أخيراً على تقرير وضعته لجنة خاصة برئاسة البروفيسور برافر لمعالجة «مشكلة بدو النقب». وتم وضع المشروع من دون استشارة أصحاب الشأن، ما دفع بمؤسسات حقوقية إسرائيلية إلى الوقوف إلى جانب الأهالي في معركتهم القانونية والشعبية. وتقول الحكومة إن «مشروع برافر» يخدم المواطنين البدو «ليقدم لهم كل الخدمات في التجمعات السكنية الجدية»، لكن الأهالي يردّون بأن جوهر المشروع خطير، إذ يرمي إلى اقتلاعهم من أراضيهم سواء بالترغيب من خلال تعويض مالي بخس عن الأراضي التي يغادرونها، أو بالترهيب مثل مصادرة قانونية للأراضي أو توسيع عمليات هدم المنازل بحجة البناء غير المرخص. ويقطن في النقب 180 ألف عربي يملكون نحو مليون دونم يرفضون الإغراءات الحكومية المتنوعة لترحيلهم عن أراضيهم. وتعتبر إسرائيل، بحكوماتها المتعاقبة، مشكلة «بدو النقب» إحدى أهم المشاكل المستوجبة معالجتها جذرياً لتفادي أن يصبح جنوب إسرائيل (والجليل أيضاً في الشمال) ذا غالبية عربية. ويرى أركان الدولة العبرية أن القضية «أيديولوجية واستراتيجية» تتعلق بالمسألة الديموغرافية التي تؤرقهم. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن منظمات حقوق الإنسان تأكيدها أن مطالب البدو بملكيتهم للأراضي تتطرق إلى 500 ألف دونم، بينما مخطط برافر قلص هذه الأراضي إلى 90 ألف دونم فقط، بقرار من مستشار رئيس الحكومة لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور. وتزامناً مع يوم «نصرة النقب»، أقرت محكمة إسرائيلية أمس أوامر الهدم الصادرة بحق 33 بيتاً في قرية أم الحيران، إحدى القرى غير المعترف بها لتمهد الطريق أمام تطبيق المخطط الحكومي إخلاء أهالي القرية وهدمها بالكامل بهدف إقامة بلدة يهودية على أنقاضها. وعلّقت المحكمة تنفيذ القرار لمدة سنة بهدف إتاحة المجال أمام الأهالي التفاوض مع سلطات الدولة لإيجاد حلول سكن بديلة. وبهذا، تكون المحكمة رفضت الطلب الذي تقدم به مركز «عدالة» باسم أهالي القرية لإلغاء أوامر الهدم هذه عام 2006. وعقبت المحامية سهاد بشارة من مركز «عدالة» على القرار بالقول إن المحكمة في قراراها هذا تكون اتخذت موقفاً داعماً بالكامل لسياسات الحكومة القاضية بإخلاء المنطقة من أجل توطين يهود بها، متجاهلة تاريخ أهالي أم الحيران وقدومهم إلى المنطقة بأوامر من الحاكم العسكري عام 1956 بعد اقتلاعهم من قريتهم الأصلية وأراضيهم التي ورثوها أباً عن جد وفلحوها لعشرات السنين. قرار المحكمة هذا مناف للحقوق الدستورية لأهالي القرية بالكرامة والمسكن الملائم والمساواة، ونحن بصدد تقديم استئناف للمحكمة المركزية على هذا القرار خلال 45 يوماً».