قبل أعوام اجتمع بنا كإعلاميين وزير تربية وتعليم، وفي معرض الحديث عن إنجازات الوزارة قال لنا إن إحدى خطط الوزارة أن تتخلص من كل المباني المستأجرة، وأذكر أنني سألته عن الخطة الزمنية التي تنوي الوزارة أن تلتزم بها لإتمام هذا المشروع العظيم. لا أذكر عدد السنوات التي ذكرها الوزير وقتها لأن ذاكرتي ضعيفة. لكنني كلما تسلمت صوراً لمدارس حكومية مستأجرة في بعض المدن مثل حائل وجيزان بل وبعضها في مناطق داخل الرياض، تأكدت أن وزارة التربية والتعليم لم تتأخر فقط عن الوفاء بوعدها بل إنها نامت وصدت عن مراقبة الحد الأدنى لمبان لا تصلح للاستخدام الآدمي فما بالك للتعليم، سقوف الصفيح التي تطير في الشتاء ودورات المياه الغارقة في الإهمال والوساخة وتدني شروط السلامة التي تسفر كل يوم عن حادث أليم صارت لازمة لمدارس التربية والتعليم. ولا أدري إن فرطت الدولة في مشروع مثل مشروع التربية والتعليم وتدنت فيه المقاييس إلى هذا الحد فأي المشاريع يحسن بها أن تهتم وتحرص؟ البارحة كلمتني قريبتي وقالت لي إنها وجدت أخيراً مدرسة لابنتها، لكن هذه المدرسة اتخذت من استراحة في شمال غربي الرياض مقراً لها وإن بعض فصولها في الملاحق مكشوفة في هذا الطقس الماطر والشديد البرودة، ولو وقع لهم حادث فبالتأكيد أن المسؤول هو الحارس أو الطالبات الصغيرات. وحين سألت قريبتي ما الذي يجعل الأهالي يدفعون أقساطاً مقابل مدرسة مقامة في استراحة فقالت لي: «وش حادك على المرْ». المباني المستأجرة في وزارة التعليم ليست سوى مثال بسيط على كمّ من الوعود مرت على سمعنا وأبصارنا وانطفأت كزبد الكلام. لا يزال أمامنا مشروعات هائلة على طاولة الوعد والتنفيذ أهمها تنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد، وصندوق الفقر الذي يبدو أنه سيقضي على الفقراء وليس على الفقر، وتطوير المناهج، وتشغيل بعض المطارات وتطويرها، الخدمات الصحية، وفرص العمل الموعودة، ومشاركة المرأة في مجلس الشورى والبلديات، تحسين أوضاع الموظفين، ومحاكمة المتورطين في سيول جدة، مشروعات لا نهاية لها امتلأ الفضاء الإداري والتنفيذي بالوعود بها، والناس تنتظر. ذاكرة الناس ضعيفة، واليأس الذي يتراكم مع الوقت يجعل الذاكرة أضعف، لهذا خرج علينا مشروع موقع «بورصة الوعود السعودية» الذي أنشأه الزميل ثامر المحيميد، وهدف الموقع رصد العمر الزمني للوعود، بتشغيل عداد رقمي يبدأ في حساب الوقت منذ انطلق الوعد. لهذا ستجد أن وعوداً دخلت الخط الأحمر لأنها تجاوزت الزمن الموعود به، ومشروعات دخلت الخط الأخضر أي فازت بإنجاز الوعد. الوعد لا يستغرق إطلاقه غير ثوان لكن إنجازه يستغرق الكثير، لهذا فإن صبر الناس قد ينفد وقد ينسى كثير منهم الوعد من أصله. لكن الموقع الجديد - الذي آمل بألا يظل مشروعاً فردياً وأن تدعمه جهود المجتمع المدني - يعد بأن يحفظ ذاكرة الناس والتاريخ ويجعلهم رقباء عليه في شهادة تقنية مسجلة يسهل الوصول إليها بضغطة زر. هذا المشروع من الممكن أن يفهم من جانبين: إما أنه دور إعلامي شريك في المسؤولية يمارس وظيفته الرقابية التي تحذر وتشير إلى مكامن التقصير وبالتالي هو عون للمسؤولين لإتمام مسؤولياتهم والقيام بها على الوجه المحمود، وعون للناس لتتبع مسار تنميتهم ما أنجز منها وما غاب، والجانب الآخر وهو أن يرى البعض أن المسؤول وعوده فوق الملاحقة وفوق النقد. المسؤول أمامه خياران أما أن يعتبر أن وعد المسؤول دين عليه أو أنها تصريحات لزوم التعيين الجديد. لكنني أظن أن الخيار الثاني لم يعد متاحاً، لهذا دعونا نعود إلى مقولة وعد المسؤول دين عليه. [email protected]