أسمع حكايات هنا وهناك حول أول اسبوع للمدارس ففي الرياض (وقد كنت منتصف الاسبوع الماضي في العاصمة) سمعت من بعض الزملاء أنه تم اكتشاف بعض حالات الإنفلونزا وأن الوضع العام لا يبشر بالخير، فقلت في نفسي، إذا كان هذا هو الحال في العاصمة معقل وزارة التعليم والصحة فماذا سيحل بباقي المدن، لكن قلت لننتظر ونرى ماذا سيحدث فتصريحات مسؤولي وزارة التربية أن كل شيء "تمام" ولا يوجد مخاطر حقيقية تبدو مشجعة. والحقيقة أنني شخصيا كنت اتوقع تأجيل بداية المرحلة الابتدائية (على أقل تقدير) لأن هذه المرحلة في الاصل ينتهي عامها الدراسي مبكرا قبل شهر تقريبا عن باقي المراحل، فما الضير أن تؤجل الدراسة حتى بداية العام الهجري الجديد خصوصا وأننا مقبلون على عطلة الحج قريبا، ولكن لم يحدث هذا ويبدو أن وزارة التربية تثق جدا في إمكاناتها وقدراتها وهو ما يطمئننا قليلا، ومع ذلك فإنني لا اتمنى أن يحدث أي مكروه لأبنائنا وبناتنا لأن الوزارة ستقول حينها "قدر الله وما شاء فعل" ولن يحاسب أحد مسؤولي الوزارة على إصرارهم، على بدء الدراسة وسوف يقولون إنهم "عملوا كل اللي قدرهم الله عليه" وما كان باليد حيلة. مازلت شخصيا أرى أن بدء المرحلة الابتدائية اليوم غير ضروري خصوصا وأن هناك من يتحدث عن مستوى النظافة والمتابعة الهزيل في اغلب المدارس خصوصا مدارس البنات، ولا أعلم لماذا البنات بالذات لكن هذا ما سمعت، وليساعدني القارئ في معرفة هذا السر. بالنسبة لي لا اعتقد أن أي كارثة يمكنها أن تزحزح وزارة التربية والتعليم عن مكانها وتوقظها وتجعلها تعمل على تطوير "خدمات التعليم" على المستوى بيئة المدرسة المادية، وبعد أن فقدنا الامل تقريبا في تطوير المناهج وأساليب التعليم ولم يبق لنا إلا الجدران والسبورات والمراحيض (اجلكم الله) فقد صرنا نتشبث بما هو ممكن ولا "يزعل" أحد وقلنا في أنفسنا "ما لا يدرك كله لا يترك جله" ومع ذلك يبدو أننا سنواجه صعوبات حتى في ما يمكن أن يشترى بالمال (والحمد لله المال وفير ويحتاج فقط إلى إدارة). شخصيا لا أتوقع أن يتغير شيء وستمر الأزمة (مهما كانت نتائجها) دون أن نحفظ الدرس. ولعلي هنا أستعيد حديثا حول مشروع التخلص من المدارس المستأجرة الذي اعلنته الوزارة قبل سنوات وأذكر شخصيا أنني تحدثت مع مسؤول في الوزارة حول المشاريع التي تعتزم الوزارة تنفيذها (واذكر أن عددها كان ثلاثين ألف مدرسة) وقلت حينها إنها "أحلام إعلامية" الهدف منها الفرقعة الاعلامية لأن جهاز الوزارة نفسه غير مستعد لهذه المشاريع حتى وإن كانت السيولة النقدية متوفرة. ويبدو أن مسؤولينا يعتمدون على ذاكرة المجتمع الضعيفة ويعتقدون أن الناس تنسى ولن تتذكر إلا همومها اليومية ولن يخوض أحد في التاريخ، فلو أن أيا منا راجع الصحف خلال العشر سنوات الأخيرة وتتبع المشاريع التي اعلنتها الوزارة ولم تنفذ سوف يذهل. والذي يظهر لي فعلا أن ذاكرة المجتمع ضعيفة جدا في غياب مؤسسات المجتمع المدني التي تحرص على النفع العام دون أن يكون للمصلحة الفردية أي دور. غياب هذه المؤسسات هو الذي يفقدنا روح المحاسبة التي تجعل من أي مسؤول لا يشعر بأي حرج من أن يطلق تصريحات في الهواء وينساها في اليوم الثاني فهو متيقن أن لا أحد يتذكر وهذه الطامة الكبرى. كل ما أتمناه ألاّ تكون تصريحات وزارة التربية ووزارة الصحة حول الانفلونزا من نفس عينة التصريحات "الهوائية" التي لا تستند إلى واقع، فالأمر هنا مختلف وهو مرتبط بصحة المجتمع وله تأثير كبير على مستقبل الوطن بأكمله، فعندما حدث وباء الطاعون في أوروبا خصوصا في ايطاليا بعد أن وصلت سفينة صينية موبوءة قبل عدة قرون نتج عن الوباء ملايين الوفيات وأدى إلى خلل سكاني واقتصادي كبير، فالمرض، أي مرض (أعاذنا الله منه) يشكل عائقا كبيرا للتنمية وأتمنى أن يكون هذا التصور حاضرا في أذهان من بيدهم "إدارة الوباء". كما قلت في مقالي السابق، لا اريد أن اكون "سلبيا" وأقول الآن لا أريد أن أكون "متشائما" لكن يحق لنا كمواطنين في هذا البلد أن تعلن لنا وزارة التربية والتعليم عن كل اللجان التي تراقب الوباء في كل مناطقها التعليمية ويجب أن نعلم ماذا قامت به هذه اللجان أسبوعيا حتى نستطيع أن نطمئن أن هناك من يسهر على راحة الانسان في هذا البلد. كما أنني ارى أن يكون هناك تواصل إعلامي مباشر مع مقاولي النظافة في المدارس (إذا كان هناك مقاولون للنظافة) ونرى أن يكون لوزارة الصحة دور في تحديد مدى ملاءمة المدارس للحد من انتشار الوباء، لأننا لم نسمع أي رأي حتى الآن من الصحة حول المدارس، فهي ترى أن الكرة في ملعب وزارة التربية، وأخشى ما أخشاه أن كل طرف ينتظر الآخر حتى تحدث الكارثة. شخصيا لست متحمسا لإرسال ابنتي الصغيرة لمدارس الحكومة والحقيقة أنني ابحث لها عن مدرسة خاصة قليلة الكثافة وسوف اقترح على المدرسة زيادة الفصول وتقليل الكثافة حتى لو كان ذلك بمقابل مادي إضافي يدفعه اولياء الأمور، وليعذرني القارئ، فأنا أعلم أن هناك غالبية عظمى من المواطنين لا يستطيعون أن يتحملوا اعباء مالية إضافية لتعليم ابنائهم، وأن قولي هذا لا ينطبق إلا على قلة من الناس لكن ما باليد حيلة، فالطلاب والطالبات يتكدسون في الفصول ونحن مقبلون على الشتاء وكل التقارير تحذر من تفاقم الوباء في موسم الانفلونزا التقليدية وكل ما قامت به وزارة التربية ووزارة الصحة طبع منشورات إرشادية للتعامل مع الوباء، ويطلب من المدارس الحصول عليها من المراكز الصحية التي لم تحصل بعد على اعداد كافية من هذه المنشورات. لا اريد أن ازيد على القارئ الهموم لكن ما أطلبه من الجميع أن ندعو الله أن يذهب عنا الوباء، فقد تعودنا أن تسير امورنا بالبركة، أما التخطيط والوقاية والتعلم من التاريخ ومن تجارب الآخرين فهذه أمور لم نتعودها ولم نتعلم كيف نمارسها في حياتنا.