نفى وزير التربية والتعليم أمام الصحافيين بعد لقائه مع مجلس الشورى «إنّ وزارته تواجه تحديات من أشخاص معارضين أو يقاومون التغيير الذي تنتهجه الوزارة». كنتُ أفضل لو أن الوزير قال إنه أمام تحديات، فهذا الوصف هو الأقرب إلى الحقيقة، والتعليم في كل مكان في العالم يواجه تحديات، فالطلاب البريطانيون لا يشتكون من ضعف في اللغة الإنكليزية ولا يرسل التجار وعائلات الطبقة الوسطى أولادهم إلى مدارس خاصة، بحثاً عن تعليم أفضل، وعلى رغم ذلك يلطمون خدودهم من كثرة الشكوى. وحين استعان رئيس وزراء بريطانيا بمدرس خصوصي لابنه احتجت وزارة التعليم واعتبرت أن هذا طعن في قدراتها، بينما عندنا يشق الناس جيوبهم من كثرة ما ضاع على المدرسين الخصوصيين الذين هم أنفسهم مدرسوهم في الصباح. اليابان وكوريا وسنغافورة لا ينظرون إلى تعليمهم إلا على أنه تحدٍّ مستمر، أمام سوق العمل، بينما طلابنا يشكون ضعفاً في اللغة العربية، ولا يجيدون أي لغة أخرى. وتشتكي سوق العمل من ضعف مهاراتهم، ومثلها الجامعات من فارق بين نتائج «الثانوية» وبين اختبار «القدرات»، وتضطر بسببه إلى وضع سنة تحضيرية لتصحيح هذا الفارق، فإن كانت الوزارة بعد هذا كله لا تشعر بأي تحدٍّ، فهذا دليل على أن الوزارة تُدار عن بعد، وأن التقارير التي تُرسل إلى كبار مسؤوليها تمر بتنظيف عالي المستوى «دراي كلين». مشروع تطوير التعليم مضى عليه سبع سنوات، وأقدامه لم تبدأ صعود أول عتبة، وكل حديث في الوزارة عن التطوير يدور حول هيكلة الخطة، ورسم الاستراتيجية. سبع سنين يرسمون ويخططون، أما سبب عدم الاستعجال، فلأن كبار المسؤولين في الوزارة وأعضاء مجلس الشورى جميعاً يرسلون أبناءهم إلى مدارس خاصة، لو سألتهم عن السبب، لقالوا لك: «لأن التعليم زي الزفت»، بينما داخل أروقة مجلس الشورى يقولون غير ذلك، ولا سيما حين يحضر الوزير. هم يعرفون جيداً نوع المناهج، لأن الوزارة تفرضها على المدارس الخاصة، ويعرفون أنها لا تزال تقطر تشدداً وتعنتاً يجعل نفسه فوق التصحيح، فلا يزال على أقل تقدير بول الأنثى نجساً وبول الصبي طاهراً، ولا تزال تحية غير المسلم حكماً يحفظه الطالب عن ظهر قلب، ولا تزال بعض أسماء المتشددين مطبوعة على أغلفة كتب الدين، وهذه صراحة ووضوح يشكرون عليهما. أما تدريس المعلمات لطلبة الصفوف الأولية فقد ثبت لدى الوزارة إيجابياتها، ولهذا سمحوا لمن أراد من مُلاك المدارس الخاصة بتطبيقها، لكن الوزارة لا تستطيع الاستفادة من إيجابيات هذا التطبيق، خوفاً من احتجاج المعارضين، ثم تقول إنها لا تواجه معارضين للتغيير. الوزارة عالقة في قضايا شائكة بائسة ومهترئة، كالمباني المستأجرة، ونقل الطالبات، ونقل المعلمات، وتوظيف البديلات، وثلث المشاريع متعثرة. أما التحدي الحقيقي وهو التطوير في بنية التعليم العام فعليه السلام. التعليم في كل بلاد هو تحدٍّ كبير، وليس المطلوب أن تقود وزارة التعليم انقلاباً على المجتمع كي تفوز على هذه التحديات، لكنها على الأقل يجب أن تتقدم عليه، وأن تمثل مسيرتها شعار النور ومحاربة الظلام. [email protected]