مع اشتداد الحملة العسكرية المركزة التي يشنها النظام على مدينة حمص، تبدو المدينة في حالة يرثى لها إنسانياً وخدمياً، فإضافة لغياب أبسط الخدمات ونقص كمية الغاز والمازوت، تبدو حمص مدينة منكوبة بامتياز، تميزها طوابير المنتظرين للخبز في جميع الأحياء، وتلال القمامة المتكومة في الشوارع، فضلاً عن نقص حاد في المواد التموينية الأساسية، وصعوبة الوصول إلى المحلات والأسواق، وهذا في ظل رعب يجتاحها مع عمليات الخطف التي تدور حكاياتها بين الأحياء، وتطال جميع الطوائف. كيس طحين ب 10 آلاف ليرة سورية وفي ظل صعوبة التنقل بين البيوت والأحياء، لم تعد حواجز الأمن مجرد مكان لإطلاق النار العشوائي على المتظاهرين، بل تحولت دكاكين لتأمين مستلزمات الأحياء التي يقصفها الحاجز ذاته. وبحسب كثير من الناشطين، فإن الحواجز الأمنية، وخاصة في بابا عمرو والخالدية، تعرض خدماتها على أهالي تلك الأحياء بتوفير الطحين والزيت والسكر مقابل مبالغ مالية طائلة، ووصل سعر كيس الطحين إلى 10 آلاف ليرة سورية في حين لا يتجاوز سعره في السوق ال 1000 ليرة. ويقوم عناصر الأمن بتأمين الطحين من الأسواق بسيارات رسمية وإيصالها إلى الحاجز ليأتي الزبون ويأخذها بعد أن يدفع «رعبوناً» مقداره 1000 ليرة سورية. وتروي إحدى السيدات في حي الخالدية، أن العديد من النشطاء استطاعوا إدخال المواد التموينية إلى حي الخالدية، على عكس بابا عمرو، الذي يعاني حصاراً أمنياً محكماً. لكن ظهرت أزمة جديدة في الأيام الماضية تتمثل بعدم توافر اسطوانات الغاز. وتتابع السيدة الستينية، التي بقيت وحيدة في بيتها بعدما اضطر أحد أبنائها للتخفي خارج حمص فيما يقبع ابنها الثاني في فرع المخابرات الجوية، أنه مع نفاد الغاز من البيت وعدم توافره، لجأت إلى حاجز تابع للأمن العسكري في أول الحي لتأمين اسطوانة غاز، فطلب منها مبلغ 2000 ليرة، علماً أن سعرها في السوق لا يتجاوز450 ليرة. الأحياء الموالية ليست بأفضل حال في حي الزهراء المجاور لأحياء دير بعلبة والبياضة والواقع في الجزء الشرقي للمدينة، لا تبدو الحياة بأفضل أحوالها. صور كبيرة للرئيس بشار الأسد ولافتات الولاء للقيادة السورية تعبر بين الشرفات، لكن القلق يسود الناس ... فحوادث الخطف باتت منتشرة وتؤرق المدنيين، ويقول أحد سكان حي الزهراء لدى سؤاله عن الأحوال: «بتطلع الصبح ما بتعرف إذا بترجع». ولا يتغير المشهد كثيراً بين حيي الزهراء والخالدية المتجاورين، ففي أغلب الأحيان يمتنع تجار الخضار عن الذهاب إلى سوق الهال مخافة الخطف أو نتيجة لاشتداد القصف على المدينة، كما أن محافظ حمص ووفق أهالي أحياء الزهراء وعكرمة، خصص مراكز توزيع للغاز والمازوت في مختلف الأحياء الثائرة واستثنى الموالية، وهو برأي الموالين وعدد من سكان تلك الأحياء، فعل ذلك عقاباً لها بعد أن خرجت تظاهرات في هذه الأحياء بتاريخ 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 تطالب بإسقاط المحافظ وأمين فرع الحزب لتخاذلهما، كما يقول المعتصمون، في توفير المواد الأساسية وحماية المدنيين من الخطف والقتل والتنكيل. وبحسب أحد الشبان الذين حضروا الاعتصام في الزهراء، فقد انقسم الاعتصام إلى قسمين، يدين أولهما بالولاء للرئيس بشار الأسد، فيما ضم الآخر عشرات رفضوا الهتافات المؤيدة للرئيس، بل إن أحدهم صاح بإسقاط النظام، مما سبب هجوماً للشبيحة أسفر عن جرح أحد الشبان المشاركين، لكن دون حدوث اعتقالات، مما يدل على حالة تذمر كبيرة حتى في صفوف المؤيدين للنظام. وهذا ما تنقله شبكة أخبار حمص الموالية للنظام على موقع التواصل الاجتماعي، حيث تنتقي الشبكة الموالية عدداً من تعليقات أعضائها المعبرة عن آرائهم بالمحافظ وقيادات المدينة. منها مثلا: إذا لم تستطع حماية صهريج ماء، فكيف لك حماية شعب بل سكان حمص؟ وما أنت بفاعل؟ فالناس يُقتلون على الدروب وفي الطرقات والشوارع ريفاً ومدينة، ويبقى السؤال: أنت محافظ على شو سيدنا؟! قندهار أو باريس؟ وهذا مثال آخر عما يكتب: عجيب يا أخي، نحن بحمص نحب النق ... شو يعني عم نتقتل وما عم نعرف من وين بدنا نروح ونجي ... وإذا بنرجع على بيتنا أو لأ، وفوق كل هذا لا مازوت ولا غاز. يعني احتمال من اثنين: إما نحن ساكنين بقندهار وما حاسين، أو السيد المحافظ مستلم محافظة باريس ومانو حاسس». ويعلق أحد النشطاء من سكان حي الزهراء في حمص، وهو من الطائفة العلوية، بأن النظام سيخسر الولاء له عاجلاً أم أجلاً، مذكراً بأن أول تظاهرة في حمص خرجت لإسقاط المحافظ، ثم تحولت إلى تظاهرات لإسقاط النظام، كما يستدل على ذلك بحملة الترهيب التي يقوم بها الشبيحة للنشطاء العلويين المعارضين وتذمر العديد من السكان، مما دفع بعضهم لإزالة صور الرئيس عن شرفة بيته احتجاجاً على ما يتعرضون له، بحسب زعم الناشط. وتبدو الصورة أوضح مع حملة الاعتقالات التي طالت عدداً من النشطاء العلويين والمسيحيين في أحياء الزهراء وحي عكرمة والأرمن.