لم تكتمل فرحة العراقيين بانسحاب القوات الأميركية من المدن، وبدا الكلام على قدرة القوات العراقية على السيطرة، في غير موضعه، إذ أسفر انفجار سيارة مفخخة في كركوك عن مقتل أكثر من 26 شخصاً وإصابة 60. وأعلن الجيش الأميركي مقتل 4 من جنوده عشية الانسحاب. واحبطت محاولة لإطلاق 90 صاروخاً على اهداف في بغداد. وبدت رؤية الرئيس جلال طالباني أقرب إلى الواقع حين قال إن: «الأمن لن يستتب كلياً، الا في ظل مناخات سياسية مواتية»، في حين شدد رئيس الوزراء نوري المالكي على أن الانسحاب الأميركي نجاح لحكومته. وأكد «قدرة العراقيين على أمنهم» بأنفسهم. وقال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إن الوضع «سيبقى خطيراً» وتوقع استمرار «هجمات الإرهابيين الذين سيستغلون الانسحاب». وكانت القوات الاميركية اكملت انسحابها من المدن العراقية أمس، تنفيذاً للاتفاق الأمني الذي وقعته بغداد واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، وينص على الانسحاب الكامل نهاية 2011. ونظمت السلطات العراقية عرضاً عسكرياً في المناسبة في باحة نصب الجندي المجهول وسط «المنطقة الخضراء». واتفق طالباني والمالكي ومسؤولون آخرون على اعتبار يوم امس «انجازاً تاريخياً للعراق»، لكنهم اختلفوا في تقويم ما يتطلبه المستقبل لجهة ضمان المصالحة والتوافق السياسي. وكانت الحكومة العراقية اعلنت امس عطلة رسمية واطلقت على المناسبة اسم «يوم السيادة الوطنية» ما سمح باحتفالات واستعراضات شملت معظم المدن رفعت خلالها لافتات «وداعا للاحتلال». وانتقد المالكي من «يظن ان العراقيين عاجزون عن حماية الأمن في بلادهم» وقال إن «الذين يروجون هذه الشائعات يوجهون اساءة بالغة إلى العراقيين الذين قدموا للعالم أروع الصور في مواجهة التحديات». وأوضح في كلمة بثها التلفزيون الرسمي ان «هذا اليوم الذي نعتبره عيدا وطنيا هو انجاز مشترك لجميع العراقيين» واعتبر ان «السيادة المنقوصة ووجود القوات الاجنبية اخطر تركة ورثناها من الحقبة الديكتاتورية التي لا بد للعراق من ان يتخلص منها». واضاف: «كان من الصعب جداً، وربما من المستحيل، ان يتحقق هذا الإنجاز التاريخي لولا نجاح حكومة الوحدة الوطنية في اخماد الحرب الطائفية التي كانت تهدد وحدة العراق وسيادته ونجاح المصالحة الوطنية، والجهود الكبيرة التي بذلناها في اعادة بناء القوات المسلحة على اسس وطنية ومهنية». لكن طالباني القى خطابا شكر فيه القوات الاميركية على دورها في العراق وقال ان «الامن لن يستتب بالكامل الا في ظل مناخات سياسية مواتية، وتحت خيمة المصالحة الوطنية وتحقيق وحدة وطنية حقيقية وتعزيز حكومة الوحدة الوطنية». وتزامن الحدث الأميركي مع اعلان الجيش الأميركي وفاة 4 من جنوده متأثرين بجروحهم الاثنين، واحباط مخطط لإطلاق 90 صاروخاً على اهداف في بغداد عشية الانسحاب. لكن الحادث الأبرز كان تفجير سيارة مفخخة وسط سوق شعبية في كركوك (255 كلم شمال بغداد) اسفر عن مقتل أكثر من 26 واصابة 60. وأعاد هذا الاعتداء أجواء القلق والشك في امكانات القوات العراقية وقدرتها على سد الفراغ الأمني، لا سيما بعد سلسلة الهجمات الدامية التي شهدتها بغداد ومدن اخرى خلال الايام الماضية ورافقتها تحذيرات رسمية من معلومات عن جولة جديدة من «الهجمات الكبرى». ودعا سياسيون وبرلمانيون في تصريحات تناولتها وسائل الاعلام المحلية الى الحذر من الايام الاولى للانسحاب الاميركي والتركيز على الجوانب الاستخبارية وتطهير القوى الامنية. وأصدر معظم القوى السياسية العراقية بيانات اشادت فيها بقدرة القوات العراقية على حفظ الامن، كما أصدرت دول عدة بيانات مماثلة اكدت ثقتها بقدرة العراق على استعادة سيادته. إلى ذلك، قال غيتس للصحافيين على متن طائرة في طريق عودته الى واشنطن بعد زيارة قصيرة لألمانيا: «اتوقع ان تستمر الهجمات المتفرقة لأن الناس سيستغلون» الانسحاب. واكد بعد ان تفقد جنودا جرحوا في العراق وافغانستان في مستشفى لاندشتول العسكري الاميركي (جنوب غربي المانيا) ان «الوضع سيبقى خطيراً. لقد قتل اليوم ايضا اربعة من جنودنا». واضاف ان تنظيم «القاعدة» وتنظيمات العنف الطائفي ستستمر في هجماتها. وتابع إن «بعض المناطق مثل الفلوجة وكركوك والبصرة هادئ». لكن «في الموصل كنا في خضم معارك عندما جاء موعد الانسحاب وشهدنا عمليات انتحارية دامية في بغداد». وحذر من «اننا لم نعد بعد الى ديارنا»، وما زال في العراق 133 الف جندي اميركي. واضاف ان»عدداً من الجنود ما زال يقدم الدعم الكبير للعراقيين». لكنه زاد ان الهجمات التي نفذها تنظيم «القاعدة» لم تنجح في تحريك العنف الطائفي بين العراقيين «لقد سئم العراقيون العنف».