تعتقد قاضية الأحداث أن الخلل الموجود في القانون يمكن تلافيه بتعديلات تراعي ما شهدَتْه أوضاع المشردين من تغيرات، لكنها تحيل المشكلة القائمة حالياً الى عجز السلطات عن تطبيق قانون الرعاية اللاحقة بشكل صحيح، فالقانون الذي أفرد فقرتين للذين أكملوا السن القانونية ولا يمتلكون مأوى «معطل تماماً، ولا يبدو ان أحداً ما سيتحرك لتفعيله في وقت قريب». سبب تعطيل هذا القانون، كما تعتقد قاضية الأحداث، هو قلة دور الدولة المخصصة لهذه الشريحة والتي لا تتجاوز دارين فقط يقعان في العاصمة بغداد، أو لأن الظروف الامنية التي تسود في بعض المناطق او إغلاقها «طائفياً» كما في مناطق أخرى، تمنع الباحثين من السفر لمتابعة المشردين الذين يكلفون بمتابعتهم بعد خروجهم من دور المشردين. ويبدو ان فكرة وجود دارين للمشردين في كل العراق هو من أكثر الامور «غرابة» كما يرى الخبراء والباحثون، فقياساً الى حجم سكان العراق البالغ نحو 33 مليوناً، وقياساً على الاوضاع التي مر بها العراق من حروب ومآس، سيكون التغاضي عن الحاجة الماسة لزيادة عدد الدور الخاصة بالمشردين «كارثة إنسانية على الدولة تداركها كي لا تضطر لاحقاً الى بناء ثلاثة سجون جديدة مقابل كل دار لم يتم تأسيسها بعد». يشير الباحث سليمان الى ان كلفة بناء دار للمشردين الذكور وأخرى للإناث في كل محافظة من محافظات العراق ال18، قد لا تمثل رقماً يذكر قياساً بموازنة العراق التي تتجاوز ال 80 بليون دولار سنوياً، مع ميزانية مرتقبة للعام 2012 قد تصل الى 112 بليون دولار. يقول باسل الذي خرج من دار المشردين قبل نحو عام، إنه وجد أخيراً ملاذه الآمن حين حصل على عمل بسيط وسكن مشترك مع حارس إحدى عمارات منطقة البياع. وضعه الآن أفضل بكثير من رفاقه الذين خرجوا من دار المشردين واضطروا الى النوم في الحدائق او تحت الجسور. لكنّ ما سكت عنه باسل كشفه الباحث سليمان، الذي تابع حالته منذ دخوله دار المشردين قبل عدة أعوام، فالحارس الذي يعيش باسل معه هو شخص «سيء السمعة» وقد يكون «منحرفاً»، وهو ما يثير قلق سليمان من النهاية التي سيصل إليها باسل ومعه مئات المشردين الذين أغفلت السلطات عينها عنهم طوال سنوات. بعيداً من المشردين ال109 الذين يحملون لوحدهم صفة مشرد وفق المؤسسات الرسمية العراقية. يبدو ان ملف المشردين أكثر قتامة كما يراه الباحث سليمان، مما تدركه المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية والعشائرية والدينية في العراق. يتساءل سليمان عن المعنى الحقيقي ل «التشرد» وهو يراقب مدن الصفيح التي انتشرت في مناطق العشوائيات الواقعة على أطراف مدينة بغداد، فالمعلومات التي أشارت إليها تقارير نشرت مؤخراً، تفيد بأن أكثر من خمسة ملايين عراقي يعيشون في بيوت متهالكة وسط مدن الصفيح التي تغيب عنها أي خدمات صحية او تعليمية، وتخرج منها صبيحة كل يوم مجموعات من الأطفال الذين يعملون في جمع العبوات الفارغة أو التسول على مفارق الطرق. حين عادت كاتبة التحقيق للبحث عن بائع قناني المياه المعبأة، أحمد رياض، أبلغها مشردون جدد انتشروا قرب ساحة التحرير، أنه اختفى منذ أن اعتقلت السلطات كل المشردين الذي كانوا في الساحة قبل نحو شهر، بعد انفجار عبوة ناسفة أودت بحياة أربعة مدنيين وثلاثة من عناصر الشرطة.