أوضح أستاذ التاريخ المعاصر الدكتور عبدالله العثيمين أن الموقف من استعمال كلمة الوهابية تغيّر بعد قيام الثورة الإيرانية، والتي كما يقول بدا خلافها العقدي والعالمي واضحاً مع أنصار الوهابية، «مما جعل تحاشي هذه الكلمة مرغوباً، ثم جاءت أحداث ال11 من أيلول «سبتمبر» لتزيد الطين بلة، وليجعل تفادي استعمالها شبه واجب، والمتابعين لحركة التاريخ يعرفون تغير المواقف وفق الظروف». وأوضح العثيمين خلال محاضرة له في مركز الملك فيصل التاريخي الأسبوع الماضي عن «النظرة الغربية للوهابية»، اختلط فيها الفكر بالقانون، أنه يركّز على ما كتبه غربيون في عهد الدولة السعودية الأولى، واسم الوهابية أصبح شائعاً لدى الكثير من الكتاب بعد ذلك، لاسيما من كتبوا عن النشاط الفكري والسياسي للشيخ محمد بن عبدالوهاب، ورأى أنهم يعنون بكلمة الوهابية ما نادى به الشيخ محمد من رأي ديني يتعلق بالتوحيد، والقضاء على ما رأوه مخالفاً للتوحيد، وتعني من ناصروه ودخلوا تحت رايته، غير أن «النسبة في الكلمة هي لوالد الشيخ وهي صحيحة، كنسبة الحنبلية لأحمد بن حنبل، وأطلق الوهابية خصوم الشيخ وأعداؤه، والهدف هو تنفير الناس من اتباع ما نادى به، والإيحاء بأنه يدعوا إلى دين جديد أو مذهب خامس، بل قالوا إنه خارجي، ووصفه أحد خصومه النجديين بأنه مبتدع جاهل مضل ضال، عاطل من بضاعة العلم». وفي شأن الأتباع، يقول العثيمين: «أتباعه يسمون أنفسهم تسميات أخرى كالمسلمين، وينادون بما نادى به الشيخ ب«دين الإسلام»، وهذا هو الغالب لدى المؤرخين ابن غنام وابن بشر، ويسمون أيضاً بالموحدين، ويسمون دعوتهم التوحيد أو الدعوة فقط، ومن درسوا في المدارس السعودية يرونه واضحاً في كتاب «كشف الشبهات» المقرر في المدارس الابتدائية». ويضيف أن عدداً من المتبعين للشيخ والمتعاطفين معه بدأوا في القرن الهجري الماضي لا يتحاشون في استعمال «الوهابية» في كتاباتهم، اقتناعاً منهم بأن ما نادى به واضح ولانعدام السببية في الدعوة، وكان ممن استعملها الشيخ سلمان بن سحمان في كتابه «الصواعق المرسلة»، ولعبدالله القصيمي عندما كان متحمساً للدعوة الوهابية كتاباً اسمه «الثورة الوهابية» ولمحمد رشيد رضا كتاب اسمه «الوهابيون والحجاز»، ولأحمد حامد الفقي كتاب عنوانه «أثر الدعوة الوهابية الثقافي»، ووزير المعارف السابق الشيخ حسن آل الشيخ له مقالة منشورة في مجلة العرب الكويتية بعنوان: «الوهابية وزعيمها». ويرى العثيمين أن «ظهور دعوة محمد بن عبدالوهاب يمثل المنعطف المهم ليس في نجد فقط، بل في كل المدن التي انضوت تحت المملكة، ومن المعروف أنها انتصرت بتبني آل سعود لها، فتحقق لها من الانتشار ما تحقق، ومن تبنوها تحقق لهم النفوذ والتمكين». وعن الكتابات التي كتبت عن دعوة محمد بن عبدالوهاب فيقول العثيمين: «كثيرون كتبوا عن الشيخ محمد ودعوته وأول كتابة أكاديمية تلك التي قام بها الدكتور المستشرق الأميركي جورج رينس من جامعة كاليفورنيا عام 1948، وعنوانها «محمد عبدالوهاب وبداية إمبراطورية توحيدية في جزيرة العرب»، واعتمد في كتابته على المصادر العربية المتوافرة حينذاك، وجاءت كتابته وصفية لما دونته تلك المصادر، وإن كانت مفتقدة التحليل، وبعده كتبت كتابات أخرى توزعت بين الدولة والدعوة، منها الباحث عبدالباري والتي نال بها الدكتور عن مقارنة بين العقيدة الوهابية والحركات المعاصرة في الهند، ومنها كتاب الدكتور محمد الشعفي ونال بها الدكتوراه من بريطانيا وعنوانه «الدولة السعودية الأولى»، ويضيف: «أنا كتبت عن الدعوة ونلت الدكتوراه بها عام 1972 من أدنبرة، مراجعاً الحالة الاجتماعية قبيل ظهور الدعوة وأثناءها، وتحليل كتب الشيخ وفق الفهم، واختتاماً لعرض أرائه وأنصاره ومعارضيه، وتوصلت إلى نتيجة أن الحالة الدينية في نجد عند ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم تكن بالصورة القاتمة التي أظهرتها بعض المصادر المتحمسة جداً لها، لكنها من ناحية ثانية لم تكن حسنة كل الحسن، لذلك كان هناك بعض الانحرافات الدينية التي قد ترقى إلى الشرك، وكانت نجد هي المكان المناسب لنجاح مثل هذه الدعوة، وكانت خالية من المذاهب غير السنية، وكانت مجابهة البادية غير متوقعة أن تكون صلبة لأي قادم». وتابع: «كان الصراع على السلطة يكون مثلاً عن طريق الاغتيال للوصول إليها، ولذلك كان يملي الثأر على الحاكم اتخاذ إجراءات تعسفية». ووصل الباحث إلى نتيجة أن رسائل لازالت تكتب عن الدعوة والدولة قائلاً: «حظيت الدعوة بالكثير من كتابات الرحالة تتفق بعضها مع وصف بالأصول العلمية، وبعضها تختلف تماماً عن تلك الأصول، وربما الباعث على تلك الكتابات الأخيرة هو الجهل بحقيقتها، وربما أخذوا الكلام من أعدائها، وربما أخذوا سوء الكلام من العامة وأشباه العامة المتحمسين لها». وكان القرن ال18 الميلادي كما يقول العثيمين شهد اهتمام بعض الأوروبيين بجزيرة العرب أرضاً وسكانا، ومنها بعثة إيرلندية أرسلها ملكها إلى الجزيرة، ووضع تحتها الإمكانات، ولم يعد من أفراد البعثة إلا مهندسها الذي ألف كتاباً عما رآه في الجزيرة، وكان يعرف شيئاً من العربية، وعندما وصل اليمن تعرف على لبناني علمه اللهجة المحلية، ما ساعده على تقبل الناس له، وبعد أن ذهب من اليمن إلى شرق الجزيرة، كان قد مضى نحو 20 عاماً على المبايعة بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود، وكان النجاح واضحاً أمام خصومها، وكتب المهندس نيبور كتابه وطبع في كوبنهاغن وترجم إلى الفرنسية، وبعد ذلك ترجمه هيرون إلى العربية بعنوان: «رحلات إلى الجزيرة العربية وأقطار أخرى» عام 1972، وكان هو أول من كتب عن الدعوة من دون تعصب، وأخطاؤه مردها إلى الجهل بهذه الدعوة، ولم يلتق بأحد من أتباعه، وتحدث عن الدعوة في فصل بعنوان: «الديانة الجديدة في نجد» وقال إن أهل نجد محمديون وكانوا سنيين محافظين، غير أنه منذ فترة قريبة ظهرت في العارض ديانة جديدة يحتمل أن تؤثر على حالة البلاد بشكل عام، ومؤسس الديانة الجديدة هو عبدالوهاب وأنه إثر وفاته تولى ابنه السلطة، واستمر في تطبيق آرائه»، وتسميته المؤلف ليست غريبة، وبغض النظر فإنه من الواضح أنه قد التبس عليه الأمر بين الشيخ ووالده، والصحيح أن الذي توفوا لدى وجود المؤلف هو محمد بن سعود. وذكر نيبور أن الشيخ درس في وطنه، ومن ثم قام برحلات إلى البصرة وبلاد فارس، في أول إشارة إلى هذا الرحلة عكس مؤلفي الشيخ، الذي لم يذكروا بلاد فارس، ومضى نيبور يقول إلى أن ابن عبدالوهاب بعد عودته دعا الجميع إلى دعوته وأصبح الزعماء بعد عودته متسالمين، وبعد التحالف أصبحت نجد بخير، وصمدت أمام الحملات، لكن نيبور وقع في أخطاء واضحة مثل إن فرقة السنة تشتكي من الشيخ، وهم السنة المغرقون في الخرافات، ولكن من الغريب أن يدعى الوهابية مبتدعاً من يدعون إلى نبذ الدعوة، وحديث آخر مع شيخ بدوي قال له إن الشيخ يقول للناس أن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأنه يحرم الأولياء ودعاء محمد «صلى الله عليه وسلم» وغيره من الأنبياء، وإن ابن عبدالوهاب يعد الأنبياء، رجال عظماء منكراً تدوين أي كتاب بوحي إلهي أو إنزاله بواسطة جبريل، «وهذا جهل عظيم من نيبور». وأنهى نيبور حديثه عن ابن عبدالوهاب بأن دين الشيخ الجديد يستحق أن يعد إصلاحا ًللمحمدية، وعودة بها إلى حقيقتها الأولى، وهو إن كان قد ذهب أكثر من أي مصلح آخر في هذا المضمار، وهو العربي لا يتوقع أن يعالج مثل هذه الأمور بمرونة، والتجربة توضح إن كانت دعوة مثل هذه الدعوة تنجح في وسط قوم مثل العرب. التخاصم إلى «المحاكم» عوضاً عن القبيلة