انتقد المحتجون من سكان البلاد الأصليين رئيسهم قائلين انه «صنيعة البرازيل». وندد المتظاهرون الغاضبون أمام السفارة البرازيلية (في العاصمة البوليفية، لاباز) بالنوازع «الإمبريالية» للبرازيل. ودان المثقفون البوليفيون «برجوازية سان باولو» مشبهين إياها بصيادي العبيد الذين وسعوا حدود البرازيل الاستعمارية. هذه الكلمات الحامية كانت تحفظ في العادة للولايات المتحدة. ولكن فيما تنحسر السيطرة الأميركية في المنطقة، تمد البرازيل جبروتها الاقتصادي والسياسي الجديد، وقد بدأت باختبار سلبيات هذا الدور كذلك: دفع مضاد للقوة الصاعدة في نصف العالم الغربي. وقوبلت الجهود البرازيلية بالشك في العديد من البلدان. وجُمد اقتراح بشق طريق في أدغال غايانا وصولاً إلى ساحلها، بسبب الخوف من إغراق البرازيل جارتها الصغيرة بالمهاجرين والتجارة. وفي الأرجنتين، علق المسؤولون مشروعاً كبيراً لشركة تعدين برازيلية بعد اتهامها بالإخفاق في توظيف عدد كاف من السكان. وأسفر التوتر في الإكوادور حول محطة لتوليد الكهرباء من مجرى مائي، عن معركة قانونية مريرة وأحاطت احتجاجات هنود الأشانينكا في الأمازون البيروفي، مشروع سد برازيلي بالشكوك. ولكن ربما لم يثر أي مشروع برازيلي في المنطقة الغضب الذي أثاره المشروع الآتي ذكره. قام المشروع الذي موّله مصرف التنمية البرازيلي الوطني – وهو عملاق مالي تبدو قروض المصرف الدولي قزمة مقارنة بما يقدم، وبات من الوسائل الرئيسة التي تستخدمها البرازيل في نشر نفوذها في أميركا اللاتينية وخارجها- على شق طريق عبر منطقة نائية يقطنها السكان الأصليون. لكنه أطلق انتفاضة بطيئة الانتشار؛ وصل إلى العاصمة لاباز في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مئات المتظاهرين من السكان الأصليين بعد مسيرة منهكة استمرت شهرين قادتهم عبر جبال الأنديز للتنديد ببطلهم السابق الرئيس إيفو موراليس لدعمه المشروع. وحملت إحدى لافتاتهم عبارة «لونكو البرازيل»، متهمة الرئيس بأنه تابع للبرازيل بلغة ألكيشوا التي ينطق بها السكان الأصليون. وموراليس هو أول رئيس من هؤلاء السكان وناشط بيئي كرس نفسه لهذه القضية، لكنه وجد نفسه فجأة على خلاف مع جزء مهم من قاعدته السياسية بدفاعه عن المشروع البرازيلي. ورضخ في نهاية الأمر لمطالب المحتجين وصرف النظر عن مشروع الطريق في تلك المنطقة. وتتوسع في أميركا اللاتينية أيضاً أعمال شركات من بلدان أخرى، خصوصاً من الصين، وتواجه في بعض الأحيان بالعداء. بيد أن البرازيل هي الدولة الأكبر في المنطقة ويبلغ عدد سكانها مئتي مليون شخص تقريباً ويساعد حجم نهوضها وجرأته في العقد الماضي في تفسير بعض التوتر الذي ولدته. مئات الآلاف من المهاجرين البرازيليين والمتحدرين منهم استوطنوا في الباراغواي، وغالباً ما يشترون الأرض لمشاريع زراعية واسعة في بلد يقل عدد سكانه كثيراً عن عدد سكان البرازيل. وجرى الاحتفال ب «البراسيغايوس» (الاسم الذي يطلق على البرازيليين في الباراغواي) لمساعدتهم اقتصاد الباراغواي على الانتعاش ثم جرت أبلستهم لسيطرتهم على أجزاء واسعة من الأرض. وفي بعض الأحيان، أحرق الناشطون في سبيل استعادة الأرض الأعلام البرازيلية. وقبل أكثر من قرن، وقبل أن تتحول إلى جمهورية، كانت البرازيل إمبراطورية وضعت في بعض الأحيان تصاميم (سياسية) لأراضي جيرانها، كما أدت دور الحكم في النزاعات في أميركا اللاتينية. وتعتمد البرازيل الآن على جهاز ديبلوماسي متطور ودفعات متزايدة من المساعدات للخارج وعلى الجيوب العميقة لمصرف التنمية التابع لها والذي يموّل مشاريع في أميركا اللاتينية وفي أفريقيا. يقول ماتياس سبيكتور الأستاذ في مؤسسة «فونداتساو غيتوليو» التعليمية النخبوية: «عندما جاء (وزير الخارجية الأميركي السابق) هنري كيسنجر إلى البرازيل قبل ثلاثة عقود تقريباً، حذر مضيفيه من أنهم قد يصبحون مصدر خوف لجيرانهم بدلاً من أن يحصلوا على حبهم»، في إشارة إلى الجهود التي بذلها كيسنجر لتقوية العلاقات مع البرازيل في السبعينات. يضيف سبكتور: «تنخرط البرازيل الآن في (شؤون) أميركا اللاتينية انخراطاً أعمق من دون سياسة واضحة لمعالجة القلق الذي يمكن أن تولّده العملية هذه. وثمة خطر حقيقي في أن نكون الوعاء الذي يصب فيه غضب بعض الجهات». * صحافي، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 4/11/2011، إعداد حسام عيتاني