موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بسيوني ل«الحياة»: إيران تحاول استغلال المنطقة لمصلحتها... والمعارضة البحرينية لا تبدو مهتمة بالمصالحة
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2011

أكد البروفسور الدكتور شريف محمود بسيوني رئيس اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين ان «الإيرانيين يحاولون إستغلال المنطقة لمصلحتهم، أنظري للخريطة، تجدين العراق، البحرين، والخطوة الثانية هي وسط الكويت. فمن هنا الزحف على كل النفط. فلو تحكموا بالنفط، لن يعودوا بحاجة حتى للقنبلة الذريّة».
وشدّد على أن التعذيب الذي تحدث عنه تقريره ، لم يأت بناءً على سياسة وُضعت على مستوى القمّة السياسية ونفذ من طريق الوسائل التقليدية، ولا هو ناتج عن سلوك شخصي لأفراد بل هو منهجي بمعنى أنّ رجال الأمن يتصرفون بطريقة منهجية، وهم ليسوا فنانين ولا خلاقين، بل هذه «طبيعة الوحش» المنهجية.
وأشار بسيوني، أنّ للأزمة البحرينية بُعُداً طائفياً - مذهبياً واضحاً بعيداً من السياسة بمعناها الحقيقي، مُشدداً أن هناك قدراً كبيراً من عدم الثقة بين السنّة والشيعة في البحرين.
كما عبّر عن حزنه من مواقف الجمعيات السياسية المُعارضة البحرينية الرافضة لما جاء في التقرير: «لقد قبل الملك التقرير بقرار واضح، كما فعل ذلك جزء كبير من الشعب، وللأسف لم أر ذلك من قبل هذه المُعارضة، فأنا أعتبره فرصة جيّدة للمصالحة، وهذا ما يجعلني أشعر أنّ المُصالحة لا تهمّهم، ولا الأمن ولا السلامة. ما يهمّهم هو الكسب السياسي، وما يفعلونه يبدو لعبة سياسية بإمتياز، وهذا ما نراه في لبنان».
وعبّر البروفسور بسيوني عن استيائه من عدم دِقّة نقل بعض وسائل الإعلام لتصريحاته، مُشيراً الى أن «بعض وسائل الإعلام يحرّف ما أقوله حسب الأجندة الّتي تخدم مصلحته».
واعتبر أن دخول قوّات درع الجزيرة «قانوني مئة في المئة، وهي قَدِمت الى البحرين بناءً على اتفاقات أمنية بين دول الخليج»، مُضيفاً أنّ هذه القوات دخلت 36 كيلومتراً في الأراضي البحرينية، وسكنت في معسكرات، ولم تفعل شيئاً، أو تتدخل ولم ير أحد وجهها.
وأكد أنّه سيزور ليبيا خلال أيام، وأنّ لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة التي يترأسها، ستحقق في ظروف مقتل الرئيس اللّيبي الراحل معمّر القذافي. كما شكّك في أن يحصل سيف الإسلام على مُحاكمة عادلة في ليبيا لعدم وجود نظام قانوني يسمح بذلك.
الجدير بالذكر أن «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» أنشئت في 29 حزيران (يونيو) 2011 بموجب الأمر الملكي الرقم 28 من قِبَل الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وتمّ تكليفها بمهمّة التحقيق والتقصّي حول الأحداث الّتي جرت في البحرين في الفترة من شباط (فبراير) الى آذار (مارس) 2011 والنتائج المترتبة عليها.
وطلب من اللّجنة تحديد ما إذا كانت الأحداث منذ ذلك الحين وصاعداً قد شَهدت إنتهاكات لقوانين وقواعد حقوق الإنسان الدولية، وتقديم التوصيات التي تراها مُناسبة.
واعتبر بسيوني في خطابه اثناء تسليم تقريره ، أن طلب الملك «حدث قانوني وسياسي مهم، أحسبه الأول في تفرّده وتميزه على مستوى المنطقة، لأنه وللمرّة الأولى تبادر الدولة من تلقاء نفسها، وفي وقت مبكر من الأحداث ومن دون إنتظار لضغوط إقليميّة أو دولية الى تشكيل لجنة تحقيق دولية».
كما اعتبره: «حدثاً تاريخياً وإجتماعياً مهماً لأنه وللمرّة الأولى أيضاً، تقبل حكومة لا تزال تُمارس سلطتها بأن تفتح جميع ملفاتها، وبأن تستقبل كلّ أنواع الإتّهام المُوجه ضدها وتسهل مهمة عمل من يسعى الى تقييم أدائها».
وأشار التقرير الى أن السلطات الأمنية استعملت القوة المفرطة غير المبرّرة ضد المحتجين، كما تمت ممارسة التعذيب بشكل متعمد بحق معتقلين، والى مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمعارضة في هذه الأحداث. وقال أنه لو قبلت المعارضة الحوار الذي أطلقه وليّ العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، لساهمت في إحداث إصلاحات سياسية دستورية في البحرين.
ويُعَد البروفيسور محمود شريف بسيوني أحد أبرز فُقهاء القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي. وهو حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، ودكتوراه في فقه القانون من جامعة إنديانا، وماجستير في القانون من كلية جون مارشال، ودكتوراه في علوم القانون من جامعة جورج واشنطن. حتى عام 2009، شغل بسيوني منصب أستاذ بحوث متميز في كلية الحقوق بجامعة دي بول، حيث امضى 35 عاما في هذه المؤسسة. للبروفيسور بسيوني عدة كتب وأعمال منشورة بما في ذلك بعض الكتب الرائدة في مجال القانون الجنائي الدولي. وخلال حياته المهنية، شغل عدداً من المناصب في الأمم المتحدة. منها رئاسة لجنة الصياغة في المؤتمر الديبلوماسي المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية. ومنصب رئيس لجنة الصياغة لمبادئ الأمم المتحدة الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال الصلاحيات عام 1985. ولبسيوني خبرة عمل سابقة في لجان التحقيق. فقد ترأس في الآونة الأخيرة لجنة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا (2011). كما شارك في لِجان التحقيق في حالة حقوق الإنسان في أفغانستان بين عامي 2004 و 2006، وانتهاكات القانون الإنساني الدولي في يوغوسلافيا السابقة في عام 1993.
وبسيوني حاصل على أكبر وسام عسكري من الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، خلال عمله في الحرس الوطني وذلك لدحره ورفاقه فرقة بريطانية في منطقة قريبة من بور سعيد، وهو الضابط المصري الوحيد على قيد الحياة من حاملي مثل هذا الوسام.
وله أيضاً قصّة مثيرة أيضاً، رواها ل «الحياة» ربما تفسر شغفه بقضايا حقوق الإنسان، والعدالة الدولية.
فخلال عمله في مكاتب رئاسة الجمهورية المصرية، خلال فترة حكم عبدالناصر، عرض عليه أحد ضباط الاستخبارات صورة رجل وعلى رأسه طوق حديد، يُستعمل كأحد أساليب التعذيب والصورة كانت تظهر الدماغ المتفجر لهذا الرجل، وعند سؤال بسيوني الضابط عن قصّة الصورة، أجاب: «هذا الرجل من زعماء الإخوان وهو متورط بمؤامرة لقتل الرئيس.» استاء بسيوني وتأثر من هذه القصة، وفي اليوم التالي وخلال إجتماع مع نائب الرئيس كمال حسين، وبحضور رئيس الشرطة العسكرية، سرد على نائب الرئيس المصري ما شاهده، وقال له هذا لا يجوز وقدّم استقالته من منصبه. فإذ برئيس الشرطة يوجه له الشتيمة فرد عليه برفضها.
وبعد ذلك تمّ وضعه بالإقامة الجبرية في منزله مع حراسة مشدّدة ومنع من الإتصال بالعالم الخارجي لمدة 7 أشهر، هرب بعدها من مصر ولم يعد إليها إلا بعد عشرات السنين وبناءً على دعوة من الرئيس انور السادات، وبعد ذلك من الرئيس حسني مُبارك. وهو تلقّى دعوات من الرئيسين للمُشاركة في الوزارات المصرية، إلا أنه اعتبر أنّ القانون أقرب الى قلبه وسلوكه من السياسة، إضافة الى إبتعاده لسنوات عديدة عن مصر وثقافتها السياسية.
وكان سُجِنَ قبل ذلك من قبل السلطات الفرنسية، لتدريبه المناضلين الجزائريين إبّان حرب التحرير الجزائرية.
حوار «الحياة» مع محمود شريف بسيوني جرى في المنامة على مدى أكثر من ساعتين في أجواء من الصراحة، وهو تحدث كرئيس للجنة انتهى من اعداد تقريره، وكقانوني دولي على مقدار كبير من الصدقية.
كيف تشعر في اليوم الأول بعد تقديمك التقرير للملك حمد، وبعد خمسة أشهر من العمل المُضني، هل تشعر بالرضا؟
- صراحة حلّ عليّ التعب البدني، وهذا هو الشعور المُسيطر الآن. بخاصةً وأنني خلال الأسبوعين الأخيرين، لم أنم أكثر من أربع أو خمس ساعات في الليلة، إذ كان علينا أن ننهي العمل في التقرير، 500 صفحة، في 12 فصلا. وأهم آخر التفاصيل التي عملنا عليها كانت قرارنا إزالة الأسماء، وكان التقرير مليئاً بها.
أسماء من، المسؤولين؟ أم الضحايا؟
- أسماء المتضررين، مثل الأطباء، الذين لا يزالون أمام المحاكم، فنحن لا نريد الاضرار بمصلحة الإدعاء العام أو الدفاع. إضافة الى أسماء 14 من المسؤولين الكبار لأننا جلسنا معهم مرّتين للوقوف على وضعهم البدني والمعنوي، فكانت لنا إنطباعات معيّنة كما أخذنا أقوالهم.
السبب الرئيس في إزالة الأسماء قانوني بحت وهو لعدم تدخل اللّجنة بأي شكل من الأشكال بمجرى العدالة لا من قريب ولا من بعيد، فهذه ليست مهمتنا.
إضافة الى هذه القضية المهمة، كانت هناك مسألة الترجمة الى اللغة العربية، إضافة الى مشكلة اللغة، مشكلة مفهومها، والعبارات والنص القانوني يتطلب الدقة المُطلقة. وأيضاً مُراجعة الفهم القانوني والفهم السياسي لِما قيل، وجدنا هناك مشكلة بالفعل في أن نجد توازناً في المعنى وفي المقصود مما نقوله في هذه الكلمات.
إلى أي حدّ تأثر التقرير بالواقع السياسي، والى أي حدّ تدخل السياسيون؟
- حقيقةً، وهذا أمر قد يكون عجيباً في العالم العربي، لم تؤثّر أبداً، ولم يتدخل أحد من السياسيين في عملنا. وأقول ذلك، لأن العالم العربي مليء بالتأثيرات السياسية، خصوصاً في دولة مثل لبنان (في إشارة الى المحكمة الخاصة بالرئيس رفيق الحريري ورفاقه). وفي الوقت نفسه، نحن في العالم العربي تعوّدنا على فكرة المؤامرات. كلّ شيء لا بد أن تكون له خلفيات، إسرائيل وأميركا والإيرانيون والله أعلم من أيضاً ... هذه هي الصعوبات – لكن الحمدلله صراحةً لم يكن هُناك تأثير إطلاقاً. نستطيع القول أنّه تقرير قانوني مئة في المئة.
دعيني أشرح لك هذا الموضوع الذي لا يعلمه أحد إلا أنت الآن، أنّه عندما أرسل لي الملك حمد بن عيسى آل خليفة، لأقابله في أواسط شهرحزيران (يونيو) في جنيف، وكنت هُناك للجنة ليبيا. قال لي الوسيط أنّ الملك يُريد أن يعيّنك رئيساً لهذه اللجنة، وقد سأل عنك ووجد تأييداً من الجميع. فقلت له أنني أريد أن أعرف، ممن... فأجاب أنّه سأل أميركا وإنكلترا وهيئة الأمم، والسعودية ومصر، وغيرهم، والناس كلّها أيّدتك. فقلت حسناً، الحمدلله. وقلت بصريح العبارة، أنا لا أريد أن أدخل بعملية يوجد فيها تأثير سياسي ولا مالي ولا أي شيء. وطلبت منه أن يُعطيني يومين للتفكير. كتبت خلالهما له ثلاث صفحات، الأولى ضمانات شخصية للّجنة، والثانية، تسهيلات في العمل، والصفحة الثالثة ما هي الخطوط الحمر الّتي لا يجب تخطيها.
وقدمت للوسيط لائحة من ثلاث صفحات، أطلقت عليها إسم «لائحة التمنيات». وقلت له «إن حَسُنَ لدى الملك الأمر، أنا أريد أن أقابله شخصياً وأنظر في عينيه ونتفاهم ونتصافح».
وبعد بضعة أيام اتّصل بي هذا الوسيط، وقال لي أنّ الملك موافق. فذهبت وقابلت الملك. كانت مُقابلة وديّة، بل أستطيع أن أقول عائلية، بسيطة جداً وتحدّثنا لمدة ساعتين أو ثلاث، تعرّفنا على بعض. قلت له أن من ضمن تمنياتي، تحديد موازنتي التي أردتها أقلّ من أية موازنة بعثة أخرى، وأنا سأفرض على نفسي درجتي في الأمم المتحدة USG، وأتلقى راتب هذه الفئة ذاته، وهو إثنان وعشرون ألف دولار في الشهر. عِلماً، أنني مُتقاعد من الجامعة وعملي محامٍ وسأخسر خمسة أضعاف تلك الكمية شهرياً.
الشيء نفسه طلبته لأعضاء اللّجنة، على أن يتقاضوا ألف دولار في اليوم، خلال وجودهم في البحرين، وهم كانوا يأتون الى هنا خمسة الى ستة أيام في الشهر. كانت الموازنة الكاملة لنا هي مليون وثلاث مئة ألف دولار لعمل واحد وأربعين شخصاً ولمدّة خمسة أشهر عمل. ولم نطلب المزيد خلال فترة عملنا.
إذاً أنت قمت بهذا العمل كفاعل «خير»؟ أم تُريد أن تفعل شيئاً للأمة العربية؟
- أنا بصراحة، لدي أمل في الحياة وطموح أنه يوماً ما، عندما أقابل ربّي ويقول لي: «أنا أعطيتك هذا وذاك، ماذا فعلت؟ وُلِدتَ بعائلة وتعلّمت إلخ..» أريد أن أقول لربّي أنّني عملت الأفضل... مصر مليئة بتماثيل للفراعنة، هل استطاع أخذها الى العالم الثاني؟
ما تعليقك على خطاب الملك أمس؟
- أنا بصراحة، وبكلّ إخلاص وأمانة، مُعجب بالملك وهو الى جانب كونه سياسياً، صاحب مشاعر راقية وشفافة، كما انني مُعجب بوليّ العهد بالذات فهو صاحب شفافية روحية ظاهرة. مثل جَدّه رحمه الله. رجل أمين ومُخلص وإنسان. ولم تسنح لي فرصة التعرف على رئيس الوزراء عن قُرب. والواقع أنّني مؤمن بأنّهم سيحاولون بكافة الوسائل أن يُصلحوا.
حزين لموقف المعارضة
كيف تقرأ ردّة الفعل الشعبية في البحرين على تقرير اللّجنة؟
- في الواقع أشعر بالحزن لأنني لم أر، بخاصة من جانب الجمعيات السياسية المعارضة، إنتهازاً لهذه الفرصة، للبدء بخطوات نحو الوفاق الوطني وإعادة اللّحمة الوطنية والمُصالحة، وكنت آمل أن يكون هذا التقرير أساساً للمصالحة، وسُرِرت أن الملك تقبّل هذا الامر بقرارات واضحة، كما فعل ذلك جزء كبير من الشعب، وللأسف لم أر ذلك من قبل المعارضة. وهذا ما يجعلني أشعر أنّ المُصالحة لا تهم هذه الفئة ولا الأمن ولا السلامة، ما يهمّهم الكسب السياسي، وتبدو لعبتهم سياسية بإمتياز وليست مصلحة شعب. وهي اللعبة نفسها التي نراها في لبنان.
البعض يقول لماذا لم يتحدث البروفسور بسيوني في تقريره عن أخطاء الجمعيات السياسية المعارضة؟
- التفويض الّذي منحني إياه الملك لم يُغطّ ما قامت به المعارضة من أعمال، ولكن كانت هُنالك إشارات واضحة لبعض الأعمال المُسيئة للأمن وللطائفة السُنية والأجانب المُقيمين في البحرين، وكذلك تسييس بعض الأطباء لمجمّع السلمانية الطبي، وسيطرة بعضهم على أجزاء من مُستشفى السلمانية، وهناك مسؤوليتهم في إخفاق مُبادرة الأمير سلمان للحوار،...
ولكن هل تعتقد أن البحرين لديها القدرة اللوجستييّة والمادية لتنفيذ التوصيات المهمة والتفصيلية التي خلص إليها التقرير؟.
- أنا أعتقد أنّ هذا ممكن ولأسباب عدة. أولاً، التقرير يختص عموماً بما أسميه تغييرات وتطورات داخلية. وعلى سبيل المثال، استقلالية القضاء، وكذلك حريّة النيابة واستقلالها وأيضاً توفير موازنة أعلى لهما. ومن دون شك فان تحسين الآداء المهني للشرطة يحتاج الى الجهد والوقت. وهذا يسري على معظم التوصيات.
هل تتوقع إستقالات في الحكومة البحرينية أو أجهزتها؟
- لم نتدخل في هذا الجانب السيادي. ورأينا أنّه من المصلحة ترك مثل هذه الخيارات الداخلية للملك ولمجلس الوزراء. وأي إستقالات أو إقالات، لا بدّ أن تكون نتيجةً لتفاعلات داخلية وليس لتدخلٍ أجنبي.
استعادة الثقة المفقودة
هل ترى أن الأزمة البحرينية طائفية - مذهبية؟ ام سياسية؟ أم أزمة مطالب حياتية؟ وما الحل؟
- من دون شكّ، هناك عنصر مذهبي حيث يشعر البعض أنّهم غرباء وضيوف في بلدهم. ويشتكون من عدم وجودهم في مرافق الدولة...
هل تريد أن تقول أن الثقة مفقودة بين فئات الشعب البحريني؟
- انها مفقودة. بناء الثقة أمر مهم جداً، وهو يتطلب وقتاً وإستراتيجية، وأسساً علمية، تستفيد من الخبرات العالمية. لا ينفع ما يقوله لي البعض، أن العائلات السنّية تزور العائلات الشيعية أو العكس. فهذه الزيارات لن تبني الثقة.
من المؤسف أنّ المناطق السكنية في البحرين موزعة على أساس مناطق شيعية - سنية، ما عدا المنطقة الوسطى. قد ينشأ الشاب الشيعي مثلاً، ولا يرى حوله سوى الشباب الشيعة، وفي المدرسة كذلك. ولا يعرف عن مواطنه السنّي إلا القليل، وحسب الصورة التي يرسمها له إمام المسجد.
هذا واقع لا بد من تغييره، وهو ما يجب أن يحصل في مجتمعات عديدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما.
هناك لغط حول ما قلته في تصريحاتك حول مسألة التعذيب في السجون، هل هذا التعذيب منهجي؟ سياسة دولة؟ أم ماذا؟
- دعيني أميّز بين ثلاثة أشياء. التعذيب قد يأتي نتيجة سياسة، توضع على مستوى القمّة، وتُنفّذ من طريق الوسائل التقليدية. وقد ينتج عن ممارسة وقد تكون هذه الممارسة منهجية، وهي جزء من ثقافة النظام من دون إعطاء أوامر بذلك، وقد تكون شخصية فردية. في البحرين هي منهجية بمعنى العادة، ولأن الشرطي ليس فنّاناً أو مُبدعاً، بل أن طبيعة العمل العسكري والبوليس منهجية، «هذه طبيعة الوحش».
هل هذه المنهجية في السلوك، بخاصةً في مملكة البحرين، أم أنّها جزء من ثقافة عمل الأجهزة الأمنية في العالم العربي؟
- طبعاً، هي ليست خاصة بمملكة البحرين، بل إنها تكاد تكون عادية في السجون العربية، ولكن منهجية العمل العسكري والبوليسي هي شيء عالمي مع إختلاف تطبيق وطبيعة هذه الأعمال المنهجية.
سمعنا أنّك مُستاء جداً من عدم دِقّة نقل وسائل الإعلام لتصريحاتك الصحافية؟
- نعم، هذا صحيح ومن دون أدنى شك، فكل وسيلة إعلامية تُحرّف كلامي حسب الأجندة الّتي تخدم مصلحتها. وعلى سبيل المثال، جاءني صحافي أميركي وسألني قائلاً، فُلان الفُلاني الّذي دهس العسكري بسيارته، لماذا حُكِمَ بالإعدام؟ فكان ردّي، أنه أخذ عقوبة الإعدام، لأنها العقوبة الواردة في قانون الإجراءات الجزائية البحرينية، وفي اليوم التالي، نُشِرَ الخبر في صحف بحرينية أنّ بسيوني يؤيد عقوبة الإعدام، وهذا غير دقيق ولا صحيح على الإطلاق، فأنا لا أؤيدها ولا أرفضها، وبكل بساطة أجبت على سؤال حول مصدر العقوبة وكان جوابي قانون العقوبات.
لم أسم أشخاصاً ومسؤولين، وما قلته موجود في التقرير، وهو رد على سؤال عن المسؤول عن التعذيب، تحدثت عن أساسين للمسؤولية: الأول هو أن يأمر أحد بالقيام بهذه الأعمال، والآخر هو المسؤولية التقصيرية، وهذا طبعاً يعتمد على التحقيق. فإذا جاءت النتيجة أنّهم كانوا يستطيعون منع حصول هذا ولم يفعلوا، فهذا يعني أنهم مقصرون بمسؤولياتهم. ولم أعط أية أسماء.
إعتبر المراقبون طرح ملك خليجي، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، فكرة إقامة محكمة حقوق إنسان خليجية فكرة شجاعة ورائدة، فهل بحث معك في هذا الموضوع؟ وهل تقام مثل هذه المحكمة في البحرين؟
- كنت رئيساً للجنة صوغ الإتفاقية العربية لحقوق الإنسان وطرحت هذه الفكرة على الجامعة العربية في العام 1989، واعترضت عليها دول مثل المملكة العربية السعودية، لأنها حسب رؤيتها لا تتوافق مع أصول الإسلام. وبعد تنقيحها، تمّ التوقيع عليها عام 2005 في مؤتمر القمة في تونس، وكنت حاضراً للمشاركة في مناقشتها، ولكنها مرّت من دون نقاش. منذ ذلك الحين لم يحدث شيء، وبقي المشروع مجمداً ، مع أن بعض الدول العربية راغبة في انشاء محكمة لحقوق الإنسان تساوي المحكمة الأوروبية.
هل تتوقع أن يكون مركزها البحرين؟ هل بحثتم في هذا الموضوع؟
- لم أبحث الامر مع الملك، ولكن أعتقد أنّه يرحّب به.
ترأست اللجنة ومعك قانونيون آخرون يعملون معك، لهم آراؤهم كما لك رأيك، فهل هناك بنود في هذا التقرير لا توافق عليها مئة في المئة، أو تريد تغييرها؟
- عندما توجد مجموعة من الأشخاص على مستوى معين من الفكر والفهم والخبرة، فمن الطبيعي أن تكون لهم آراء مختلفة، وعلى الجميع الإستماع الى الآراء المختلفة، إلا إذا انبثقت من فكر شخص أو سياسي أو مصلحي. والخبرة الجماعية هي المكونة من الآراء المختلفة، ولا بد لرئيس المجموعة أن تكون لديه قدرة على الإستيعاب والتوافق. ومن دون شك، فإنه كان لكل عضو من الأعضاء شخصيته وطريقته، وبالتالي فإن إيجاد التوافق بينهم كان أمراً صعباً الى حدٍ كبير.
قال لي وزير العدل البحريني، أن الحكومة البحرينية، لا تستطيع ولأسباب أمنية إستراتيجية، مشاركتكم بعض المعلومات والمستندات الّتي تبرهن تدخل إيران في الأزمة البحرينية، ألهذه الأسباب لم تجد قرائن قانونية تثبت هذا التدخل؟ علماً أنّ العديد من المراقبيين العرب، يتحدثون عن التدخل الإيراني في العراق وسورية ولبنان وفلسطين والبحرين؟
- قطعاً، هذا محتمل. كلّ دولة لها معلومات سريّة لا تستطيع أن تكشف عنها، لأنها لو فعلت، فستكشف عن مصادر هذه المعلومات. ولكن لنتحدث حول الموضوع من جانب آخر. نحن نعيش في عالم مليء بالمصالح الإستراتيجية المختلفة لدول مختلفة. فالولايات المتحدة، وإنكلترا، وفرنسا، والسعودية وكذلك إيران وغيرها لديها مصالح. ومن دون شكّ أنّ الدول الّتي تتصارع في مصالحها الإستراتيجية أو السياسية أو الإقتصادية ستحاول أن تستغل الظروف لمصلحتها.
طبعاً، ولكن في العالم العربي هناك رفض للتدخل الإيراني وكذلك الأميركي، والبريطاني وغيره، بل إن الكثيرين يعتقدون أن التدخل الإيراني أصبح سافراً؟
- طبعاً، طبعاً، ومن دون شكّ، فإن الأمر مفروغٌ منه، أن إيران تستغل ظروف البحرين ودول المنطقة لمصلحتها.
ونحن في التقرير، استخدمنا لفظين: وهو «أنّه ومن دون أدنى شك أنّ لإيران دوراً دعائياً إعلامياً في الأزمة البحرينية». الإيرانيون يحاولون إستغلال المنطقة لمصلحتهم، أنظري للخريطة، تجدين العراق، البحرين، والخطوة الثانية هي وسط الكويت. فمن هنا الزحف على كل النفط. فلو تحكّموا بالنفط، لن يعودوا بحاجة حتّى للقنبلة الذريّة. إنما على سبيل المثال يوجد فارق بين الدور الإيراني في هذه المنطقة والتدخل الأميركي في نيكاراغوا خلال ولاية الرئيس الراحل رونالد ريغان ، في أيام نيكاراغوا، حاصر ريغان المياه الإقليمية ودرّب أناسا للذهاب الى هناك. الإيرانيون لم يصلوا الى هذه النوعية من التدخل بعد.
البعض يتحدّث عن معلومات سريّة بأن الإيرانيين يحوّلون أموالاً الى الداخل البحريني لتمويل بعض الأحزاب. وأنا أعتقد، وهُنا أتحدث بصفة شخصية أن هناك نقطة مهمة لم تُطرح في مملكة البحرين ولم يتحدث عنها أحد وهي أن المذاهب الشيعية تدفع ما يُسمّى بالخمس، والخمس قد يصل الى 20في المئة من دخل الفرد، وهو يزيد بكثير عن الزكاة.
والبحرين كما أعلم، هي البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع فيها الأفراد تقديم مثل هذا التبرع الديني من دون أية رقابةٍ حكومية. ولا أحد يعلم أين تذهب هذه الأموال ولا توجد قوانين تسأل الى أين تذهب هذه الأموال.
وهنا لا بد من السؤال، هل توزع أموال الخمس هذه على الجمعيات الخيرية وتذهب للعمل الخيري؟ أم أنّها تُحول لحركاتٍ شيعية سياسية. ما أريد أن أقوله هنا أنّ الأحزاب الشيعية الموجودة ليست بحاجة لإنتظار الأموال من إيران.
قال التقرير أنه لم تكن هناك أي أدلة تشير الى إرتكاب وحدات قوّات درع الجزيرة أي انتهاكات لحقوق الإنسان، بحسب تحقيقاتكم...؟
- لا توجد لدي أدلة تقول أن هذه القوّات تدخلت في أي شيء.
ولكن البعض وصف هذه القوات بالغازية.
- غازية...؟؟ غير صحيح. هم دخلوا 36 كيلومتراً وسكنوا في معسكرات. لم يفعلوا أي شيء، ولم يتدخلوا ولم ير أحد وجوههم.
برأيك، وحسب القانون الدولي، هل دخولهم ووجودهم يُعتبر قانونياً؟
- طبعاً، توجد إتفاقية أمنية بين دول الخليج، أية دولة تستطيع أن تطلب... ذلك قانوني مئة في المئة
هل تعتقد أن سيف الإسلام القذافي سيحصل على مُحاكمة عادلة؟
- أعتقد أن هذا صعب، ففي الوقت الحاضر لا يوجد نظام قانوني قادر على ذلك.
ما رأيك بنظام العدالة الدولية، ومحاكم مثل المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الخاصة بالحريري وغيرها...؟
- هذا النظام، يمر بمرحلة إنتقالية وصعوبات سياسية حقيقية قد تستغرق عقوداً لحلّها.
ولكنني أعتقد أيضاً أن مستقبل العدالة الدولية لا يعتمد على هذه المحاكم الدولية، بل في المحاكم المحلية والوطنية، التي تطبق المعايير العالمية للعدالة الجنائية. وبالنسبة لي، أفضّل محاكمة سيف الإسلام والسنوسي داخل ليبيا ولكن ضمن معايير قانونية جنائية دولية.
ولكن هل يُمكن الحديث عن نظام قانوني مثالي في العالم؟
- لا، هذا لا يوجد، ونحن منذ وجود البشرية، لا نزال نمر بتجارب ونتعلم، ولكن من دون شك أن هناك أنظمة قانونية أفضل من غيرها، وبعضها جيد جداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.