إسلام آباد، كابول، واشنطن، باريس - أ ف ب، رويترز، يو بي آي - نفت إسلام آباد أمس، تسبُّبَها في الغارة التي نفذتها مروحيات الحلف الاطلسي (ناتو) قرب حدودها مع افغانستان السبت الماضي، واسفرت عن مقتل 26 عنصر أمن باكستاني، وأدت الى تدهور العلاقات مجدداً بين الولاياتالمتحدةوباكستان. وكتب الناطق باسم الجيش الباكستاني اللواء آطهر عباس في رسالة خطية وجهها الى المسؤولين في إسلام آباد: «انهم يختلقون الأعذار»، وسأل بسخرية: «اين هي خسائر الحلف لو حصل فعلياً اطلاق نار من جانبنا؟». وفيما حذر عباس من احتمال ان تتسب الغارة بعواقب خطرة على مستوى التعاون مع الولاياتالمتحدة وحجمه في الحرب على الارهاب، نقلت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية عن جنود جرحوا في الغارة، أن الهجوم لم يكن مبرراً. وقال اميرزاب خان (23 سنة)، إن «المنطقة المحيطة بالحواجز والتي تبعد نحو 3 كيلومترات عن الحدود مع افغانستان لا ناشطين فيها، وإن الليل شهد هدوءاً قبل شن الهجوم». لكن قائداً في شرطة حرس الحدود الأفغانية رفض كشف اسمه، قال إن «قوات الحلف الأطلسي يندر ان تفتح النار اذا لم تتعرض لهجوم. لذا، من الواضح ان جنود الناتو تعرَّضوا لإطلاق نار من تلك المنطقة، وإلاّ لما ردّوا»، مشيراً الى ان مواقع ناشطي حركة «طالبان» والقوات الافغانية والباكستانية تتجاور ضمن مسافات قريبة جداً غالباً في المنطقة الجبلية الوعرة والتي تضم أحراجاً كثيفة، وغالباً ما يستغل الناشطون المنطقة الحدودية للاختباء ولشن عمليات واطلاق النار على الجانبين». يذكر ان صلاحية قوات «الناتو» تتوقف عند الحدود الأفغانية، لكنها تستطيع ان ترد على اطلاق النار دفاعاً عن النفس. وأشارت تقارير سابقة الى ان قوات اميركية وافغانية عبرت الحدود خلال ملاحقتها لعناصر «طالبان»، علماً ان التنسيق غائب عملياً على طرفي الحدود، على رغم ان علاقة العمل بين قائد الجيش الباكستاني اشفق كياني والمسؤولين الأميركيين تعتبر جيدة نسبياً. واول من أمس، تظاهر مئات من الباكستانيين للتعبير عن غضبهم، واحرقوا دمية مثلت الرئيس الأميركي باراك اوباما وأعلاماً اميركية في انحاء البلاد البالغ عدد سكانها 167 مليون نسمة، وتشهد معارضة متزايدة لتحالف الحكومة مع الولاياتالمتحدة. ويرى خبراء ان باكستان التي تشهد انتخابات عامة مقررة في شباط (فبراير) 2013، لا تستطيع تقبل انتهاكات مماثلة لسيادتها، في وقت تتحين المعارضة الفرص لاستغلال غضب السكان. خيارات باكستان واميركا وقطعت إسلام آباد بعد الهجوم الإمدادات عن قوات الحلف المنتشرة في افغانستان والبالغ عددها 140 الفاً، وطالبت بإجراء مراجعة شاملة لعلاقاتهما، كما أمرت الأميركيين بمغادرة خلال فترة اسبوعين قاعدة شمسي الجوية التي يعتقد بأنها تستخدم في غارات وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إي)، وقررت درس مقاطعة مؤتمر مهم حول افغانستان مقرر الشهر المقبل. في المقابل، ايدت واشنطن اجراء تحقيق شامل وقدمت تعازيها لعائلات الضحايا، بينما أسف الأمين العام للحلف الأطلسي اندرس فوغ راسموسن لمقتل الجنود «غير المتعمد»، لكنه لم يعتذر. وتزامن ذلك مع دعوة السناتور الأميركي جون كايل باكستان الى التعاون بشكل أكبر مع باكستان بعد الغارة، محذراً من ان المساعدات الأميركية لإسلام اباد مرتبطة بشروط معينة. اما السناتور الديموقراطي ديك دوربين، فأشار الى ان القوات الأميركية «عالقة بين عدم الكفاءة والفساد في باكستان والتواطؤ في بعض انحاء باكستان». وأوضح جون بولتون، السفير الأميركي السابق لدى الأممالمتحدة، المعضلة التي تواجهها واشنطن في تعاملها مع إسلام آباد، التي تملك سلاحاً نووياً وتلقت مساعدات بقيمة 20 بليون يورو من واشنطن خلال السنوات العشر الأخيرة، قائلاً: «طالما تملك باكستان اسلحة نووية يمكن ان تقع بين أيدي متطرفين وتشكل تهديداً للعالم اجمع، فيعيطها ذلك موقعاً اقوى في المفاوضات». وصرح الجنرال الأميركي المتقاعد باري ماكافري الذي يعمل محللاً عسكرياً لشبكة «أن بي سي نيوز»: «أعتقد بأننا بتنا على مشارف أزمة إستراتيجية»، مضيفاً: «يجب ان نتفاوض مع باكستان وان نقدم تعويضات ونعتذر عن الغارة. لا خيار لدينا»، في ظل عبور نحو نصف إمدادات قوات التحالف في افغانستان عبر باكستان. «صدمة» صينية وفي بكين، أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي، في مؤتمر صحافي، ان بلاده أصيبت بصدمة عميقة من هذه القضية»، وطالب باجراء «تحقيق جدي في الخطأ». وزاد: «يجب احترام استقلال باكستان وسيادتها ووحدة اراضيها»، علماً ان الهجوم جاء بعد شهور على تدهور العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، وبلوغها ادنى مستوياتها منذ سنة، اثر تصفية وحدة كوماندوس اميركية زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن شمال إسلام آباد في ايار (مايو) الماضي. وفي باريس، دعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى استمرار التعاون بين باكستان والحلف الأطلسي (الناتو)، وقالت: «تماماً كما قال الأمين العام للناتو راسموسن، ستُجري قيادة الحلف تحقيقاً لتحديد الأحداث والمسؤوليات واستخلاص الإجراءات المطلوبة، ونحن نقدم دعمنا الكامل لإجراء تحقيق سريع». وتابعت: «ندعو إلى استمرار التعاون بين الحكومة الباكستانية وقوات الناتو الملتزمة ضمان استقرار أفغانستان. وهذا التعاون حيوي للسلام في أفغانستان، ومن مصلحتنا المشتركة». وكررت دعم الحكومة الباكستانية في معركتها ضد حركة «طالبان» و «الإرهاب» بأشكاله كلها.