شهدت الفترة الماضية تراجعاً كبيراً في نسب مشاهدة «التلفزيون المصري» الرسمي بسبب عدم وجود أسماء لامعة من مقدمي البرامج على شاشات قنواته. وعلى رغم ان هذا التلفزيون كان منذ نشأته مصدراً لتقديم النجوم من المذيعين والمذيعات الذين ارتبط بهم المشاهدون لأعوام طويلة، مثل حمدي قنديل ونجوى إبراهيم وفريال صالح وسلمى الشماع ومحمود سلطان ودرية شرف الدين وسناء منصور وفريدة الزمر وطارق حبيب وسهير الأتربي، فإن ابناء الجيل الجديد من مذيعي ماسبيرو يعيشون في دائرة النسيان، لا يكاد يعرفهم أحد، ولم يعد بينهم نجوم يتواصل معهم المشاهد رغم سخونة الأحداث بعد ثورة 25 يناير. ومن الواضح أن نجومية الشاشة الصغيرة يتمتع بها حالياً مذيعون من خارج ماسبيرو، مثل منى الشاذلي ويسري فودة، وبعضهم صحافيون مثل عمرو أديب وعمرو الليثي ومحمود سعد وخيري رمضان ولميس الحديدي، وحتى من ينتمي للتلفزيون المصري مثل معتز الدمرداش، ريم ماجد، ريهام السهلي، ريهام إبراهيم، وتامر أمين تركوا ماسبيرو ليتألقوا على شاشات الفضائيات الخاصة... وهنا محاولة اولى لفتح ملف غياب النجوم عن كراسي المذيعين في التلفزيون المصري. الإعلامية ريهام السهلي قالت: «هذا الموضوع ليس جديداً، بل يعود إلى ما يقرب من خمس سنوات مضت، عندما اتبع وزراء الإعلام السابقون منهج الاستسهال في الاستعانة بأشخاص جاهزين للظهور على الشاشة، وأنا ضد أن يأتي المسؤولون بأشخاص جاهزين، بصرف النظر عن مواصفات المهنة، فمن الملاحظ أن صناعة النجم التلفزيوني تتدهور بشكل مخيف». أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم أوضح أنه لكي يبرز نجوم من التلفزيون المصري، لا بد من أن يكون لدى إدارة ماسبيرو مناخ ساخن وحركة إبداعية تنتج نجوماً، لكننا نعيش في ظل أحداث روتينية والبحيرة الراكدة لا تنتج مبدعين، وعندما كان المناخ متحركاً وساخناً في التلفزيون والمسرح والسينما كانت هناك وفرة من المبدعين والفنانين، وعندما تأتي فترات يسيطر فيها على الإبداع مجموعة من الموظفين ليس لديهم الموهبة يكون الحصاد مجموعة أخرى جديدة من الموظفين وليس المبدعين والنجوم». ضرورة الإمكانات المادية من جهة أخرى، تؤكد المذيعة هبة الأباصيري أن توافر الإمكانات المادية «يساهم الى حد كبير في تألق المذيع أو المذيعة ولذلك لا يجب الحكم على مستوى مقدِّمي البرامج في ماسبيرو قبل أن نعرف أحوالهم، كما أن تراجع مستوى التلفزيون المصري أمام الفضائيات أمر يحتاج الى وقفة، لأنه من الصعب أن يرضى أحد بهذا التدهور» . اما الإعلامى طارق حبيب فيقول: «زمان كان الكيف يأتي في المقام الأول ثم يأتي الكم، وبالتالي كان عدد العاملين في ماسبيرو محدوداً وموهبتهم متوافرة وتظهر بوضوح مع هذا العدد القليل والكيف الكبير من خلال برامج محدودة. لكن الوضع اختلف حالياً، وكل من ليس له مهنه أصبح إعلامياً، سواء كان يعمل بالصدفة أو بالمجاملات الشخصية أو يعمل في مهنة أخرى ويريد الظهور على الشاشة الصغيرة، لكي يكسب المال والشهرة». وتابع: «كثرة عدد المذيعين حالياً تجعل المشاهد عاجزاً عن ملاحظتهم ومتابعة ما يقدمونه وفرز الجيد من السيئ، وأنا شخصياً لا أستطيع أن أذكر من أسماء المذيعين الجدد إلا قليلاً، كما أن نجوم الفن والرياضة والصحافة الذين عملوا بمهنة المذيع مشهورون، لكنهم لم يتفوقوا بالشكل الذي ظهروا به في عملهم الأصلي». وأشار الإعلامي وجدي الحكيم إلى أنه عندما تولى أمور الإذاعة والتلفزيون قيادات من المبدعين كان هدفهم الأول تقديم مبدعين للساحة، لكن المحصلة حالياً تخلو من الإبداع والمبدعين. وشدد الإعلامي طارق علام على ضرورة الاهتمام بإنتاج برامج تلفزيونية قوية «تساهم في جذب الجمهور إلى شاشة التلفزيون المصري، ومن غير المنطقي أن تختفي البرامج الجماهيرية من على شاشة هذا التلفزيون ، بينما نجد فضائيات أخرى حديثة العمر، فيها برامج تجذب الرعاة والمعلنين والمشاهدين بشكل كبير». وأكدت الإعلامية فريدة الزمر أن المشكلة الحقيقية في بعض الفترات كانت في ان التلفزيون المصري راح يفتح أبوابه أمام أي شخص ليعمل فيه، عكس الوضع في الماضي، حيث كان من يلتحق بالعمل في هذا المبنى العريق يخضع لاختبارات عدة في اللغة والأداء، واختبارات أخرى شفوية، وأمام الكاميرا، وفي الوقت نفسه كنا نخضع كمذيعات للتدريب القاسي لمدة سنة حتى نعمل مذيعات ربط». وأضافت: «كنا نتلقى أيضاً تدريبات عدة على أيدي خبراء، أما الآن فليس هناك تدريب لأحد، كما أن المذيعين لا يطورون أنفسهم ولا يسعون لزيادة ثقافتهم وتحسين لغتهم». المكان المناسب وقال الفنان عمرو رمزي الذي عمل كمخرج في التلفزيون المصري: « لقد كثر المذيعون والمذيعات في مصر من جرّاء كثرة الفضائيات، ولا نعرف من كل هؤلاء إلا عدداً قليلاً، مثل منى الشاذلي ودينا عبدالرحمن وريم ماجد، وأعتقد أنه حالياً لا يتم وضع المذيع المناسب فى المكان أو البرنامج المناسب، فكل ما يحدث هو مجرد تسكين للمذيعين والمذيعات لملء الفراغ، بخاصة أن أغلب البرامج إعدادها ضعيف والموضوعات التي تطرحها لا تهم المشاهدين». وأوضح رمزي أن مبنى التلفزيون أصبح «مثل المصالح الحكومية لا يعتمد العمل فيه على الموهبة والإبداع، مع ان أن من يظهر على الشاشة يجب ان يكون بمثابة مثل أعلى في كل شيء بداية من الشكل الخارجى انتهاء بالحرفية والمهنية، فالاختبارات التي تُجرى للمذيعين غير جيدة، كما أن القيادات الحالية قليلة الخبرة والموهبة، وهو ما يؤثر سلباً في اختياراتهم للمذيعين الجدد، وبالتالي يؤثر سلباً على نسب مشاهدة التلفزيون المصري».