تبدو عبارة «تلك الصباحات المرحة»، وللوهلة الاولى، عنواناً لفيلم سينمائي، أو مطلعاً لقصيدة، لكنها ليست كذلك في المقام الذي نتحدث عنه، فهي عبارة تكاد تختزل مضامين برامج الصباح في الفضائيات العربية. صباحات مشرقة؛ مرحة ملؤها البهجة والصفاء تطل عبر الشاشات العربية. ولئن اختلفت العناوين من فضائية الى أخرى، إلا ان المواضيع متشابهة من الحديث عن الريجيم والرشاقة، الى الصحة والجمال، الى التمارين الصباحية الخفيفة والوجبات الصحية، الى اكسسوارات المنازل والسيارات، الى طرق تنسيق الحدائق، الى الأبراج والحظوظ التي تُسمع المشاهد أحلاماً ملونة بعدما أفاق، للتو، من كوابيس «ليل أرخى سدوله بأنواع الهموم» عليه. لا أحد يعلم كيف اتفقت الفضائيات العربية على أن تكون برامج الصباح، التي تمتد لساعات عدة، على هذا النحو من الخفة والتفاؤل والوداعة. والحال أن نظرة سريعة الى ما يجري في العالم العربي من ثورات واحتجاجات ومآس وخيبات تكشف أن هذه البرامج الزاهية تتحدث عن كوكب آخر، أو على الاقل عن بلدان اسكندينافية ترفل في نعيم الحداثة، والديموقراطية والرفاهية، لا عن منطقة عربية تحترق على صفيح ساخن، بل يمكن أن نقول بعبارة أخرى «تنهض كالعنقاء من الرماد». ولا يقتصر الأمر على المواضيع والمضامين المطروحة، بل ان الأشكال الذي تقدم فيها تكاد تكون متطابقة أيضاً. استوديوات مرتبة بأناقة، وإن بدت منفّرة أحياناً، على خلفية فضاء بصري باذخ؛ مضاء بشمس الصباح الوليد، بينما الورود النضرة وحفيف الاشجار الصامتة تملأ جنبات الشاشة. وجرت العادة ان يقدم هذه البرامج مذيع ومذيعة لا يظهران، غالباً، إلا في هذه الفترة الصباحية، وكأن مسؤولي الفضائيات يدركون أن هذه الفترة هي نافرة، واستثنائية في سياق المواد التلفزيونية الأخرى التي تتركز حول القتل والمجاعات والاضطرابات، فكيف لمذيع أسهب للتو في الحديث عن جماليات الحياة وكمالياتها، أن يقنع المشاهد نفسه بالأوجه الأخرى القاتمة للحياة؟ وإذ يندر أن يعثر المشاهد على فقرة مفيدة ضمن هذه الفترات الصباحية التي تبدو وكأنها نسخ مكررة، يبدو من المؤكد انه سيسمع كلاماً جميلاً في فقرة الأبراج عن مفاجآت سعيدة تنتظره اليوم حول لقاء بصديق غائب، أو العثور على كنز دفين عند أول منعطف، أو تحقيق تقدم نوعي في العمل، أو يظن نفسه «قيساً» سيحظى بوصال ليلاه بعد جفاء... وبعد أن يمضي المشاهد سحابة نهاره في انتظار المفاجآت السارة؛ الموعودة، من دون أن تتحقق، يعود مجدداً الى الشاشة عند المساء ليجد النكبات والخسارات مرتسمة على الشاشة، فيخلد الى ليل كوابيسه، متلهفاً إلى ما سيقوله له الطالع في اليوم التالي عندما تطل، عبر الشاشات، تلك الصباحات المرحة!