كثيراً ما يجري الحديث حول النهضة في الخطاب العربي المعاصر، ونشهد في الفكر العربي ردّة إلى عصر النهضة من نوع غريب، حيث الرموز يعاد استحضارها والأفكار تُستجلب من عصرها، وهذا فضلاً عن المؤلفات والكتب والأعمال الكاملة التي يعاد نشرها أو جمعها. هل نحن نعيش ما يشبه سلفية نهضوية يُطلب منا أن نعيد قراءتها كي تستجيب لمتطلبات عصرنا؟! وهكذا يعود عصر النهضة من جديد. والغريب أن ذلك يبرَّر على أنه مرتبط بما يجري في الساحة العربية من إخفاقات وهزائم، وتغير مزاج الجماهير واتجاهها نحو التيارات السلفية، وتحديد آفاق المجتمعات العربية واستشفاف سبل تقدمها وعلاقتها مع العالم الآخر الذي دخل مرحلة الهيمنة الأميركية لردح من الزمن. هكذا يتم تسويغ العودة إلى الماضي باسم المستقبل، كان مستقبلنا مرهوناً بالنظر إليه دوماً من الماضي. لا شك في أن ذلك يخفي في طياته خلفيات نفسية وفكرية تتطلب منا دراستها والعمل على فض إشكالياتها، وأولها ما اعتبره الجابري، أن العقل العربي لا يفكر إلا انطلاقاً من الأصل... الأصل الذي بدا معتمداً على المجاوزة كمبدأ لقانون عام في منهج التفكير ورؤية العالم. يعيش العرب اليوم حالة أشبه ما تكون بارتحال جماعي إلى عصر النهضة، بيد أن تكثيف الحديث عن النهضة لا يولد نهضة بالضرورة، بل ربما ينتج عكس ما يطلبه أنصار النهضة. وعندها يصبح الكلام عن النهضة تغطية على الإشكاليات التي تعيشها المجتمعات العربية من أزمة الاستبداد وانعدام الحريات والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان وانتهاء البطالة المستفعلة والفقر والأمية المنتشية، وكأن النهضة عندها تصبح حلاًّ شافياً وسحريّاً لتلك الأمراض كافة. وما الأزمة البنيوية العميقة التي تستحكم في المجتمعات العربية سوى «لفحة برد» طارئة ومؤقتة، إذ سرعان ما تنزع المجتمعات العربية عن جسمها ثوب التخلف هذا لترفل في النهضة التي ستحقق لها أمانيها وطموحها! * كاتب فلسطيني.