نشهد في الفكر العربي المعاصر «ردة» إلى عصر النهضة من نوع غريب، فالرموز يعاد استحضارها وتنصيبها، والأفكار تستجلب من عصرها، هذا فضلاً عن المؤلفات والكتب والأعمال الكاملة التي يعاد نشرها أو جمعها. إننا نعيش ما يشبه «سلفية نهضوية» يُطلب منا قراءتها أو إعادة قراءتها لكي نستجيب متطلبات عصرنا، وهكذا يعاد خلق عصر النهضة من جديد بعد أن أُلبس ثوباً جديداً لا ينتمي إلى زمنه. والغريب أن ذلك يبرر على أساس أنه مرتبط بما يجري في الساحة العربية من اخفاقات وهزائم وتغير في مزاج الجماهير واتجاهها نحو التيارات السلفية، ومرتبط أيضاً بهموم المستقبل وتحديد آفاق المجتمعات العربية واستشفاف سبل تقدمها وعلاقتها مع العالم الآخر الذي دخل مرحلة الهيمنة الأميركية لردح من الزمن. وهكذا يتم تسويغ العودة إلى الماضي باسم المستقبل، كأن مستقبلنا مرهون بالنظر إليه دوماً من الماضي. لا شك في أن ذلك يخفي في طياته خلفيات نفسية وفكرية يتطلب منا دراستها، والعمل على فض إشكاليتها، وأولها ما اعتبره الجابري من أن العقل العربي لا يفكر إلا انطلاقاً من أصل وانتهاءً إليه أو بتوجيه منه، الأصل الذي يحمل سلطة السلف، وأن آليته في تحصيل المعرفة هي المقاربة والمماثلة معتمداً على التجويز كمبدأ، كقانون عام يؤسس منهجه في التفكير ورؤيته للعالم. وإذا كانت التصاريح بين الإيديولوجيات في العالم العربي قد خلقت أزمة مستعصية في الكثير من مجالات الثقافة السياسية والفكر السياسي، فإن مستقبل الإيديولوجيا في هذا العالم العربي يمكن أن يتصل عموماً بمستوى الضغط أو القلق على المستوى الفردي. يعيش العرب الآن حالة أشبه ما تكون بارتحال جماعي إلى عصر النهضة. بيد أن تكثيف الحديث عن النهضة لا يولّد نهضة بالضرورة، بل ربما ينتج عكس ما يطلبه النهضويون، وعندها يصبح الكلام على النهضة تغطية على الإشكالات الحقيقية التي تعيشها المجتمعات العربية، من أزمة الاستبداد وانعدام الحريات والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان وانتهاءً بالبطالة المستفحلة والفقر والأمية المتفشية، وكأن النهضة عندها تصبح حلاً شافياً وسحرياً لتلك الأمراض كافة. وما الأزمة البنيوية والعميقة التي تستحكم بالمجتمعات العربية سوى «لفحة برد» طارئة وموقتة، إذ سرعان ما تنزع المجتمعات العربية عن جسمها تعرب التخلف هذا لترفل في النهضة التي ستحقق لها أمانيها وطموحاتها! * كاتب فلسطيني