قبل 10 أيام من بدء المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر، احتشد الإسلاميون في ميدان التحرير في القاهرة وميادين عدد من المحافظات الأخرى للاعتراض على وثيقة المبادئ الدستورية التي أعدها نائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي، في مشهد عكس قوة التيار الإسلامي في الشارع وعدم إمكان تجاوز آرائهم في ما يخص الوثيقة. وعلى رغم تعدد المطالب التي رفعها المتظاهرون أمس، إلا أن رفض «وثيقة السلمي» كان أبرزها، فيما ركز السلفيون المؤيدون للمرشح الرئاسي المحتمل حازم صلاح أبو إسماعيل وقوى شبابية أخرى على ضرورة تحديد جدول زمني لتسليم السلطة إلى المدنيين في موعد غايته نيسان (أبريل) المقبل. وظهر واضحاً أن الإخوان والسلفيين استعدا للحشد بكفاءة عالية، إذ أحاطت ميدان التحرير والشوارع القريبة منه مئات الحافلات التي نقلت آلافاً من المنتمين للتيار الإسلامي من المحافظات الأخرى إلى القاهرة للمشاركة. وكانت التظاهرة مسرحاً أيضاً لظهور مرشحي الرئاسة حيث حضر كل من الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والدكتور سليم العوا والدكتور أيمن نور وحازم صلاح أبو إسماعيل، بينما غاب عنها عمرو موسى والدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي. وسيطر الإسلاميون بمختلف توجهاتهم على منصات ميدان التحرير أمس، ولوحظ دفع جماعة «الإخوان المسلمين» وحزبها «الحرية والعدالة» بعشرات الآلاف من أنصارهم الى الميدان حاملين أعلام الجماعة والحزب ولافتات منددة بوثيقة المبادئ الدستورية، فيما ركز السلفيون على شعارات تطبيق الشريعة ورفض الدولة المدنية. وبدا أن جماعة «الإخوان» حريصة على الحفاظ على «شعرة معاوية» مع المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد، إذ لم تشهد منصتها هجوماً لافتاً على المجلس، في حين اتهم سلفيون العسكر بالنكوص عن عهودهم بتسليم السلطة. أما الحركات الشبابية، وخصوصا «6 أبريل»، فشنت هجوماً حاداً على «حكم العسكر»، مطالبة بإسقاط المجلس العسكري. ومعروف أن قوى ليبرالية وآخرين قاطعوا التظاهرة بينها أحزاب «الوفد» و»الكرامة» و»المصريين الأحرار» و»المصري الديموقراطي» و»التجمع اليساري»، بينما ذابت القوى غير الإسلامية التي شاركت فيها وسط حشود الإسلاميين وإمكاناتهم العالية. وبدا أن الوثيقة تحولت إلى «معضلة» تواجه الحكومة، بعدما صارت اداة للاستقطاب بين الإسلاميين والليبراليين. فالناطق باسم مجلس الوزراء السفير محمد حجازي أكد ل «الحياة» توصل رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف خلال اجتماعه مع رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، والقيادي السلفي الدكتور محمد عبدالمقصود، إلى صيغة توافقية حول الوثيقة «لكن يجب بحثها مع مختلف القوى السياسية قبل إقرارها». غير أن جماعة الإخوان تستشعر من جانبها محاولات حكومية للمراوغة وكسب الوقت، حسب الناطق باسمها الدكتور محمود غزلان الذي أكد ل «الحياة» أن «الحكومة تبدي مرونة خلف الأبواب المغلقة وترفض إعلان ما تم التوافق حوله بحجة بحثه مع الليبراليين «الذين يرفضون من جانبهم تعديلات الإسلاميين على الوثيقة». وأوضح حجازي أن المشاورات حول الوثيقة ستستمر في الفترة المقبلة في محاولة للتوصل إلى صياغة توافقية حولها، مؤكداً أن «التظاهر حق مكفول طالما تم في إطار سلمي». واعتبرت التيارات الإسلامية أن التظاهرات أبلغ دليل على رفض الشارع «وثيقة السلمي». وقال غزلان: «هذه التظاهرات كشفت مدى معارضة الشعب المصري فرض وصاية عليه أو على برلمانه»، فيما قال القيادي في حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، الدكتور طارق الزمر ل «الحياة» إن «الوثيقة سقطت بهذا الحشد الضخم الذي أوصل رسالة إلى الحكومة بأنها لن تستطيع فرض إرادتها على الشعب». واعتبر الناطق الإعلامي باسم حزب النور السلفي الدكتور يسري حماد أن الإسلاميين وجهوا رسالة شديدة اللهجة إلى السلطة الحاكمة مفادها أن «الثورة مستمرة وأن السيادة يجب أن تكون للشعب». وقال ل»الحياة»: «نمهل المسؤولين فترة لتدارك الأخطاء التي وقعوا فيها وسحب الوثيقة وإعلان جدول زمني لتسليم السلطة بحد أقصى نيسان المقبل وإلا سيكون لنا مزيد من الفاعليات وربما الاعتصام في ميدان التحرير وقيادة ثورة ثانية». وطالب «التحالف الديموقراطي من أجل مصر» الذي يقوده حزب «الحرية والعدالة»، في بيان أمس، المجلس العسكري بالتبرؤ من وثيقة المبادئ الأساسية للدستور «لأنها اعتداء صارخ على سيادة الشعب وتقويض واضح لإرادته دون سند من واقع أو قانون».