بدا أن وثيقة «المبادئ الحاكمة للدستور» لم تنهِ شهر العسل بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر والقوى الإسلامية فقط، وإنما امتد الهجوم على الوثيقة إلى القوى الليبرالية التي طالما دعمت إصدارها، وإن كان الإسلاميون يهاجمون الوثيقة كمبدأ عام من دون مناقشة تفاصيلها، إذ أنهم يعتبرون مجرد إصدارها «افتئات على إرادة الشعب» المفترض التعبير عنها في الانتخابات. أما القوى الليبرالية فقد انتقدت مضمون الوثيقة خصوصاً لجهة تضمينها نصوصاً تمنح سلطات استثنائية للمجلس العسكري. وتنص الوثيقة في أحد بنودها على أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو المختص من دون غيره بالنظر في كل ما يتعلق بالشؤون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود موازنتها على أن يتم إدراجها رقم واحد في موازنة الدولة، ويختص من دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل إصداره. وحددت الوثيقة معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد على أن تتكون من 100 عضو يُختار 80 منهم من خارج البرلمان و20 عضواً من البرلمان بحد أقصى 5 أعضاء للحزب أو الكتلة البرلمانية الواحدة وبحد أدنى عضواً واحداً. وتمنح الوثيقة المجلس العسكري سلطات واسعة في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة إن لم تنته الجمعية التأسيسية من إعداد مشروع الدستور خلال 6 أشهر. واستنفرت القوى الإسلامية، أمس، لجهة رفض الوثيقة، مهددة بالتصعيد في حال تبناها المجلس العسكري في إعلان دستوري. وعقدت أحزاب عدة ذات مرجعية إسلامية اجتماعاً في مقر حزب «النور» السلفي، كما استضاف حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، اجتماعاً للقوى السياسية للتنسيق في مجابهة الوثيقة. وفي هذا الإطار، شنت جماعة «الإخوان المسلمين» هجوماً حاداً على المجلس العسكري، معتبرة أن هناك «شواهد تسحب من رصيد المجلس العسكري عند الشعب الذي أولاه ثقته»، مطالبة بإقالة نائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي الذي تولى إعداد الوثيقة وطرحها على القوى السياسية وإقالة الحكومة كلها إذا استمرت في النهج ذاته. وقالت الجماعة في بيان إن الوثيقة تعد «انقلاباً على الاستفتاء والإعلان الدستوري الذي ينص على أن اللجنة التأسيسية لوضع الدستور ينتخبها أعضاء البرلمان». وأضافت أن «الوثيقة انقلاب على مبدأ الدولة الديموقراطية، لأنها تضمنت بنداً يعطي الجيش حق حماية الدولة المدنية والدستور، وبالتالي يقحم الجيش في السياسة، بل ويجعله فوق الدستور، وبذلك يتم إهدار فكرة الدولة الديموقراطية التي يجمع عليها الشعب كله». وقالت الجماعة: «هناك فئة قليلة لا تمثل إلا نفسها، تريد أن تفرض وصايتها على الشعب، وما يحدث الآن فتنة تمثل محاولة جديدة لإفساد الحياة السياسية بعد الثورة، ومنعها من الوصول لأهدافها الديموقراطية التي يطمح إليها الشعب». واعتبرت الجماعة أن الوثيقة «تمثل خطراً على الأمن المصري الداخلي، ولن نسمح بفرض إرادة أقلية ضئيلة على الشعب». ودعت الجماعة إلى «البدء في فعاليات شعبية لدرء الفتن كلها»، في إشارة إلى إمكان التظاهر في الشارع تعبيراً عن رفض الوثيقة. ودعت أحزاب التحالف الديموقراطي الذي يقوده حزب «الحرية والعدالة» - الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين» - إلى التظاهر في ميدان التحرير يوم 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، في جمعة «الثورة الثانية» اعتراضاً على الوثيقة، مطالبة بإقالة السلمي وتبرؤ المجلس العسكري نهائياً منها. وقال وكيل مؤسسي حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية»، صفوت عبد الغني إن الوثيقة تُعتبر «انقلاباً على الإعلان الدستوري». واتهم الحكومة بتعمد إقصاء التيار الإسلامي من اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. وقال عبدالغني، في مؤتمر صحافي عقب اجتماع لممثلي أحزاب «البناء والتنمية» و «النور» و «الأصالة» السلفيين، إن «الأحزاب الإسلامية ستتجه إلى التصعيد، إذا أقر المجلس العسكري الوثيقة (...) سيكون هناك رد فعل على اغتصاب سلطة الشعب». واعتبر رئيس حزب «الأصالة» عادل عبدالمقصود أن الوثيقة «نذير شؤم على البلاد»، أما رئيس حزب «النور» الدكتور عماد عبدالغفور السلفي فرأى أن «الهدف من الوثيقة هو إقرار الدولة العلمانية». ودعا رئيس حزب «الوسط» أبو العلا ماضي المصريين إلى رفض الوثيقة رفضاً قاطعاً، معتبراً أنها «انقلاب كامل غير مقبول على مقومات المجتمع المصري المدني». وقال: «مسودة الوثيقة أظهرت أن حماية الشرعية الدستورية سحبت من الشعب وممثليه وأعطيت للمجلس العسكري». واعتبر أن «الوثيقة تمثل ردة عن ثورة 25 يناير، ونكوصاً على مبادئها، وعودة إلى الوراء بمصر وشعبها ومقدراتها». ولم يقتصر الهجوم على الوثيقة على القوى والأحزاب الإسلامية فقط، إذ هاجمتها أيضاً قوى ليبرالية وشبابية. وقال المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الدكتور محمد البرادعي في تعليق على موقعه على «فايسبوك»: «اسحبوا الوثيقة الدستورية المشوَّهة، نريد لجنة محايدة تضع ميثاق شرف نلتف حوله جميعاً، وأولويتنا هي توحيد الصفوف، وليس المزيد من الصدام والفوضى». واعتبر البرادعي أن «القوات المسلحة ليست دولة فوق الدولة ولن تكون». وأعلنت حركة شباب 6 أبريل رفضها الوثيقة. وقالت عضو المكتب السياسي في الحركة انجي حمدي إن «المبادئ التي تؤدي لتحكم العسكر في الدولة وعدم محاسبتهم مرفوضة تماماً»، مضيفة: «كنا نطالب بالحدِّ من صلاحيات الرئيس، والآن مطلوب منا الموافقة على وثيقة تتيح للمجلس العسكري صلاحيات تفوق الرئيس ومجلس الشعب. فهذه مهزلة لن نوافق عليها أبداً».