على رغم أن هذه الشخصية كانت ثانوية في المسلسل الكويتي «درب الزلق»، إلا أنها كانت ذات تأثير على المشاهدين لما يحيطها من غموض... لا يُظهر لنا المسلسل تاريخ هذا الرجل المجنون، فلم نعلم من هي تلك التي يناديها دائماً، أو ماذا فعلت به؟ يبدو أنها قد سلبت عقله فلم يبقَ له سوى ترديد كلمة «أبيها»... وعلى رغم عدم وجود أي حوار له مع بقية شخصيات المسلسل، فقد أتقن الممثل أداء الدور، فكنا نترقب ظهوره على الشاشة بخوف، عندما كنا نتابع المسلسل ونحن صغار. في السينما العالمية، كانت أدوار ذوي الحالات الذهنية الخاصة هي الأشهر دائماً والأقدر على حصد الجوائز. فعلى سبيل المثال، جسّدت الممثلة جولييتا ماسينا دور «جيلسومينا» في الفيلم الإيطالي «الطريق La Strada». تلك الفتاة التي تتنقل من بلد إلى بلد مع سيّدها وتقوم بتقديم عروض السيرك في الشارع لتجني بعض المال مما تجود به أيدي المتفرجين. ولكن حدث شيء غريب بعد عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات السينما البريطانية سنة 1954. كانت شخصية «جيلسومينا» من التميز وروعة الأداء، بحيث أن الجماهير توجهوا بعد عرض الفيلم إلى الفندق الذي تقيم فيه بطلة الفيلم، وقاموا بالتبرع بالكثير من الملابس والبطانيات والأغذية، ظناً منهم أن الممثلة هي فعلاً مشرّدة، ممّا أثار دهشة العاملين في الفندق وصانعي الفيلم.! هل كانت الشخصية مرسومة بدقة والأداء صادق لهذه الدرجة؟ بالتأكيد... ولا داعي للذكر أنها حصلت على الأوسكار في تلك السنة، إضافة إلى العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية. أتعجب عندما أشاهد المسلسلات الخليجية في هذه الأيام... في البداية يبدو لي أن معظم ممثلي المسلسل يؤدون أدوار مجانين، ثم أكتشف بصعوبة بعد دقائق أن التمثيل السيّئ هو الذي أوحى لي بذلك. صار التمثيل الآن مجرد استعراض لصدور الممثلات (و قد لا أعترض على هذا كثيراً) مع طن مكياج في وجوههن. أمّا الرجال، فيجب أن يقوموا في كل حلقة بالصراخ ثم صفع امرأة واحدة على الأقل، مع ترديد عبارات باهتة وتعابير مليئة بالتصنّع. لسنا نحاول التعميم ضدّ كل الممثلين أو كل المسلسلات، ولكن الأمر تحوّل إلى ظاهرة منذ زمن... أصبحتْ المسلسلات نسخة من بعضها البعض، لذلك لا داعي لإعادة عرض أي مسلسل مرة أخرى بعد سنوات من إنتاجه. هذا إضافة إلى كثرة الإنتاج في السنة الواحدة، والقنوات الفضائية الكثيرة تحتاج إلى ما تملأ به شاشاتها على مدار 24 ساعة، حتى لو كانت جودة الأعمال الفنية متردّية. أتساءل في كل مرة أشاهد فيها دراما خليجية، ترى هل شاهد مؤلفو المسلسلات والممثلون أيّة أعمال فنيّة راقية، عربية أو عالمية، حتى يتمكنوا من مقارنة مستوى ما يقدمونه في مسلسلاتهم بها؟ لماذا لم ينجح أي مسلسل خليجي كنجاح «درب الزلق» منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلى اليوم، سواءً من ناحية الشهرة، أم قدرته على جذب المشاهدين في كل مرة يعاد عرضه فيها؟ [email protected]