لقي توقيف عناصر ينتمون إلى مجموعات إرهابية من تنظيم «القاعدة» و«داعش» من جانب الأجهزة الأمنية اللبنانية اهتماماً دولياً وعربياً غير مسبوق تجلى في قدوم وفود فرنسية وألمانية وسعودية لمواكبة التحقيقات الجارية مع الموقوفين، خصوصاً أن العمليات الاستباقية التي أدت إلى توقيف بعض الشبكات كانت ثمرة تعاون أمني لبناني - ألماني - أميركي أدى إلى اكتشاف عدد من الخلايا النائمة التابعة لهذه المجموعات أثناء استعدادها لتنفيذ تفجيرات انتحارية إرهابية في عدد من المناطق اللبنانية، تفضل القيادات الأمنية المعنية بالتحقيقات الجارية التكتم على مكان وزمان تنفيذها... ولعل يوم الجمعة في 20 حزيران (يونيو) شكل أول محطة لانطلاق وحدات من الجيش وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي والأمن العام في ملاحقة هذه الخلايا النائمة وإلقاء القبض على أشخاص ينتمون إلى «القاعدة» و«داعش». ولم يكن حضور مدير الاستخبارات الألمانية إلى بيروت صدفة، وإنما جاء بعد توافر معلومات للفرع الخارجي في هذه الاستخبارات عن وجود مخطط تفجيري أوشك من يعد له على تنفيذه بين لحظة وأخرى، وهذا ما يفسر الانتشار الأمني للقوى الأمنية وبدء حملات الدهم، خصوصاً أن هذه المعلومات تقاطعت مع معلومات مماثلة لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. الحضور السعودي كما أن حضور وفد من المملكة العربية السعودية إلى بيروت جاء في أعقاب اتصال جرى بين وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ونظيره السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز. وعلمت «الحياة» أن الوفد التقى القيادات الأمنية ويقوم حالياً بمواكبة التحقيقات التي يجريها فرع التحقيق في الأمن العام مع الموقوف السعودي علي إبراهيم الثويني الذي أوقفته قوة من الأمن العام عندما دهمت فندق «دو روي» وأصيب خلالها بحروق فيما قتل السعودي الآخر عبدالرحمن ناصر الشنيفي عندما فجر حزاماً ناسفاً كان يحمله بيديه عند الباب المؤدي إلى الغرفة التي يقيمان فيها وذلك لحظة قيام قوة من الأمن العام بدهم غرفتهما. وعلمت «الحياة» أيضاً أن الشنيفي كان يزنّر نفسه بحزام ناسف آخر لكن شدة الانفجار أدت إلى ذوبان المتفجرات التي كانت في داخله من دون أن يتمكن من تفجيره، فيما أصيب زميله الثويني بحروق، ووجد على مقربة من الشرفة حيث كان يقوم باستطلاع المنطقة المحيطة بالفندق، وما إذا كانت محاصرة بقوة إضافية من الأمن العام. وكشفت المصادر الرسمية نقلاً عن مراجع سياسية وأمنية نافذة في الحكومة اللبنانية أن السعوديين وصلا إلى بيروت من طريق اسطنبول في 11 حزيران وأقاما في فندق غير الفندق الذي وُجِدا فيه أثناء عملية الدهم. وقالت إن المطلوب الإرهابي المدعو منذر الحسن الذي يلاحق حالياً هو الذي أمن لهما انتقالهما إلى «دو روي» ووفر لهما المال لدفع بدل إقامتهما. وتوقعت المصادر وجود شخص آخر من التابعية السورية له علاقة بالتواصل معهما، وقالت إن الشنيفي مطلوب من السلطات الأمنية في السعودية بعدما ثبت انتقاله إلى سورية ومشاركته في القتال إلى جانب المجموعات التابعة ل«داعش». ولم تستبعد المصادر أن يكون الحسن وجد في «دو روي» لمرات عدة استناداً إلى المعلومات الأولية التي توصل إليها فريق التحقيق في الأمن العام. توقيف الفرنسي من أصول عربية أما في شأن حملة الدهم التي قامت بها وحدات التدخل في شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي التي شملت فندق «نابليون» في الحمرا ولاحقاً فندق «رامادا» في الروشة، فعلمت «الحياة» من المراجع نفسها أن الحملة الأولى أدت إلى توقيف فرنسي من أصول عربية (من جزر القمر في شمال أفريقيا) انقضت عليه القوة الضاربة أثناء وجوده في فراشه. وتبين من خلال التحقيقات المتواصلة التي يجريها فرع التحقيق في شعبة المعلومات، وفق ما تبلغته المراجع عينها من قيادة قوى الأمن الداخلي، أن الموقوف الفرنسي وصل إلى بيروت وأقام في فندق «كيو» في الحمرا بعدما كان حجز غرفة له بواسطة الإنترنت. لكنه انتقل، كما تقول هذه المراجع، في 16 حزيران إلى فندق «نابليون» وربما بطلب من الحسن نفسه الذي أمن له المال وتواصل معه من دون أن يتعرف الفرنسي إلى هويته. وعزت هذه المصادر السبب إلى أن مهمة الموقوف الفرنسي تقتصر على تلقي إشارة من مشغله لتنفيذ العملية الانتحارية بعد تحديد ساعة الصفر، وأن هناك من يتولى تأمين كل ما يحتاجه لهذه المهمة في ضوء تحديد الزمان والمكان لارتكاب جريمته. وفي هذا السياق تردد أن الفرنسي الموقوف لا يجيد التحدث باللغة العربية، على الأقل هذا ما تبين من خلال استجوابه بمواكبة مباشرة من مسؤولين في السفارة الفرنسية في بيروت. ومع أن المراجع النافذة ترفض تسليط الأضواء على ما أدلى به الموقوف الفرنسي من اعترافات، فإنها في المقابل تتوقع مواصلة التحقيق معه الذي ربما يؤدي إلى وضع اليد على معلومات جديدة يمكن أن تشكل صدمة إيجابية لهذه المراجع التي تتابع التحقيقات عن كثب. واعتبرت المصادر أن دهم فندق «رامادا» يأتي في سياق القيام بحملة دهم وقائية واستباقية للتأكد من عدم وجود عناصر تابعة لخلايا إرهابية نائمة، وقالت إن قوة الدهم في شعبة المعلومات أنجزت مهمتها بإتقان ووفق الخطة المرسومة لها. وتبين عدم وجود شبهات حول المقيمين في الفندق، ومن بينهم الرعايا العرب، خلافاً لما أشيع عن توقيف أشخاص يشتبه في أنهم على علاقة بمجموعات إرهابية. فتش عن «داعش» إلا أن التحقيقات الجارية مع الفرنسي الموقوف والسعودي الثويني ومن خلال تعاون وثيق بين شعبة المعلومات والأمن العام ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني بغية تبادل المعلومات والتدقيق في كل شاردة وواردة في ضوء الاعترافات الأولية التي أدليا بها، لا تستبعد وجود ترابط بين الموقوفين لجهة انتمائهما إلى «داعش» حتى لو لم يكونا على معرفة ببعضهما بعضاً. وعزت المراجع النافذة، كما تقول المصادر، السبب إلى أن مشغلهما واحد هو منذر الحسن الذي يرجح أنه أحد أبرز المشغلين المنتمين إلى «داعش»... ومع أن التحقيقات تدور كما يفترض في سرية تامة لا تجيز تحديد الأهداف التي يمكن استهدافها بواسطة تنفيذ تفجيرات إرهابية، فإن مشغلي الموقوفين وأبرزهما الحسن يعتمدون السرية في تزويدهما المعلومات ويستخدمون لهذا الغرض أجهزة اتصال متطورة تسمح للمشغل في توجيه الانتحاريين وتزويدهما المعلومات من دون أن تتيح لهما التحدث مع من يتصل بهما... هل من رابط بين تفجيري الطيونة وضهر البيدر؟ أما في شأن التفجيرين اللذين استهدفا حاجزاً لقوى الأمن الداخلي عند ضهر البيدر ومستديرة الطيونة المؤدية إلى أوتوستراد هادي نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت لم تستبعد المراجع النافذة كما تبلغت من شعبة المعلومات أن تكون الجهة المنفذة واحدة مع أن التفجير الأول في ضهر البيدر جاء بعد ساعات على المعلومات التي توافرت للقيادات الأمنية عن وجود مخطط إرهابي عبر قيام مجموعات متطرفة بعمليات تفجير انتحارية. وعلمت «الحياة» أن فريق التحقيق في شعبة المعلومات كما توحي المراجع النافذة في حلقاتها الضيقة مع زوارها يجري حالياً دراسة أمنية - تقنية تتعلق بهذين التفجيرين للتأكد من وجود ترابط بينهما. وينقل الزوار عن هذه المراجع قولها إن الانتشار الأمني المفاجئ للقوى الأمنية من جيش وأمن عام وقوى أمن داخلي، فاجأ الانتحاري الذي كان يقود سيارة مفخخة وهو في طريقه من البقاع إلى بيروت. ويؤكد هؤلاء أن الانتحاري الذي كان يقود سيارة من نوع «نيسان - مورانو» اضطر إلى التوقف في مكان ما في الشارع الرئيسي في بلدة صوفر الموازي للأوتوستراد الممتد من بيروت إلى البقاع، وأن شخصاً اشتبه فيه أثناء جلوسه على حجر على مقربة من السيارة. ويضيف الزوار أن هذا الشخص، وهو من صوفر، اشتبه فيه، خصوصاً أنه كان متوتراً وعلامات الإرباك ظاهرة على وجهه، إضافة إلى أن السيارة مغطاة بالغبار وعجلاتها مستهلكة نتيجة استخدامها للتنقل في المناطق الجردية والوعرة التي يصعب على السيارات العادية سلوكها. ويتابعون أن هذا الشخص اتصل بمخفر صوفر الذي اتصل فوراً بمديرية قوى الأمن التي كانت عممت «برقياً» على حواجزها ضرورة التأهب والاستنفار لوجود مخطط يراد منه تفجير سيارات مفخخة. ويلفتون إلى أن السائق أربك عندما أبلغ هذا الشخص أن سيارته معطلة وأنه ينتظر، وبلهجة سورية، رفيقه لإحضار الميكانيكي لإصلاح العطل فيها لكنه سرعان ما صعد إليها وأوحى بأنه يريد التوجه في اتجاه بيروت إلا أنه استدار في وسط الشارع نحو البقاع حيث كان حاجز قوى الأمن في ضهر البيدر ينتظره وعلى رأسه المعاون الذي استشهد وأربعة من عناصره انبطحوا أرضاً وأصيبوا نتيجة الانفجار بجروح طفيفة. ويعتقدون أن المعاون الشهيد كان على علم بقدوم السيارة إلى الحاجز وأوقف لهذه الغاية شاحنة في منتصف الطريق لمنعه من متابعة طريقه فيما كان يتبعه جيب لقوى الأمن وسيارات مدنية تسير خلفه. الانفجار مسح رقم هيكل السيارة وينقل هؤلاء عن المراجع النافذة قولهم إن سائق السيارة أوعز للذين يقفون على الحاجز بضرورة الابتعاد لأنه يريد تفجيرها. ويؤكدون أن الانفجار كان عمودياً في الهواء وتسبب بمسح رقم هيكل السيارة... ويضيفون أن طبيعة الانفجار وتركيب العبوة المعدة للتفجير فوق هيكل السيارة كانا وراء تعذر الحصول على رقمه، خصوصاً أن أبوابها لم تكن مفخخة لأن من يفخخها تجنب وضع عبوات في داخل الأبواب لئلا يكتشف أمر السائق إذا ما طلب منه إنزال الزجاج لأنه سيواجه صعوبة في إنزاله بسبب حشو هذه الأبواب بعبوات ناسفة. من كان مع السائق؟ لكن هناك من يرجح أن سائق «المورانو» لم يكن لوحده، وإنما كان برفقة شخص آخر اضطر إلى الطلب منه التوقف في صوفر ليتوجه إلى شتورا لإصلاح عطل طارئ أصاب سيارة من نوع مرسيدس يعتقد - وفق التقديرات - أنها تلك التي فجرت في مستديرة الطيونة. وتردد في هذا المجال أن سائق «المورانو» لا يعرف الطريق المؤدية إلى بيروت وأن «مرشده» طلب منه التوقف لمعاونة سائق المرسيدس على إصلاح العطل الذي أصابها نتيجة تلف أحد إطاراتها. لأنه يخشى تصليحه لدى أي شخص يمكن أن يكتشف في حال رفع السيارة أن هناك عبوة مزروعة بداخلها، إضافة إلى أن نقل السيارات المفخخة من أي مكان إلى داخل بيروت أو محيطها لتفجيرها على أيدي انتحاريين لا يتم على دفعة واحدة، إنما على مراحل خشية أن تكون السيارات في الوقت نفسه في المكان نفسه، وأن اكتشاف واحدة منها سيؤدي الى اكتشاف السيارات الأخرى. كما أن الربط بين «المرسيدس» و «المورانو» يستند إلى أن مفخخي هاتين السيارتين اتبعا الطريقة نفسها، وهذا ما تبين من خلال انفجارهما عمودياً مع أن سائق الأولى أراد الدخول إلى الضاحية بعكس السير بعد أن تولت الجهة المفخخة استطلاع المنطقة واستنتجت أن معظم سائقي السيارات يسلكون هذا الطريق بعد منتصف الليل، بالتالي يمكن إيصالها إلى قلب الضاحية من خلال المرور بأحد الأحياء الفرعية. بصمات «القاعدة» على السيارتين وسألت المصادر، بناء للجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، عن مدى الترابط بين «المرسيدس» و «المورانو» تبعاً لما توصلت إليه التحقيقات التقنية والأمنية، وعن علاقة «كتائب عبدالله عزام» التابعة ل «القاعدة» بالإعداد لتفجيرهما من خلال دور بارز لأحد قيادييها الشيخ سراج الدين زريقات الذي يقال إنه موجود في المنطقة الحدودية المتداخلة بين لبنان وسورية في البقاع الشمالي. وتردد أن زريقات المطلوب للقضاء اللبناني يقيم في المنطقة الحدودية داخل سورية، وأن المتعاونين معه موجودون في المناطق الجردية التي تبلغ مساحتها أكثر من 1500 كيلومتر مربع. وأن له امتدادات ليست نافذة حتى الآن في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا نظراً إلى الوجود الفاعل لحركة «فتح» و «عصبة الأنصار» في داخله ما يعيق حركة المتعاملين معه. إضافة إلى أن الفلسطيني أحمد طه الملقب بأبي سليم نجح في الخروج من المخيم وهو يلتحق الآن بزريقات. كما أن طه يقف وراء خطف اللبناني مخول مراد من بلدة رأس بعلبك عندما هاجمت عناصر من «القاعدة» كسارة تقع في المنطقة الجردية بين هذه البلدة وعرسال واقتادت عدداً من العمال فيها، ثم أفرجت عنهم وأبقت عليه مخطوفاً على أن لا تطلقه إلا في مقابل فدية مالية. ومعروف أن الموقوفين لدى شعبة المعلومات أحمد أبو علفة وابن عمه حسن على علاقة ب «القاعدة» بواسطة زريقات، وأن لا علاقة لهما بنعيم عباس الذين كانت أوقفته مخابرات الجيش وتردد أنه أقرب إلى «داعش» من «القاعدة» وأنه يتطوع لتجنيد إرهابيين في مقابل توفير المال له. لذلك، فإن الجهات النافذة تميل إلى الاعتقاد أن مفجري «المرسيدس» و «المورانو» ينتميان إلى «القاعدة». وهذا ما يدفع الأجهزة الأمنية إلى التدقيق في هذا الترجيح، خصوصاً في ضوء ما يتردد عن أن العمليات الاستباقية والوقائية، التي نفذتها هذه الأجهزة أحبطت تفجير هاتين السيارتين في المنطقتين المحددتين لمفجريهما من قبل مشغلهما... وعليه، فإن هذه الجهات، انطلاقاً من عملية الربط التي تقوم بها شعبة المعلومات، لم تستبعد أن تكون الأجهزة الأمنية مجتمعة نجحت في إحباط مخطط تفجيري كبير سيكون لو حصل أشبه بالانفجار المزدوج الذي استهدف المستشارية الثقافية الإيرانية ومحيطها وأعلنت «كتائب عبدالله عزام» (القاعدة) في حينها مسؤوليتها عن هذين التفجيرين في 19 - 2 - 2014.