تتزايد وتيرة المطالبة بالتدخل الأجنبي (الغربي) لتحقيق الإطاحة بالنظام الديكتاتوري في سورية. وهذه المطالبة التي بدأت في كل أوساط المعارضة الخارجية والداخلية على شكل نداءات للدول ولمؤسسات الضغط الحقوقي من أجل الضغط على النظام السوري للإسراع في الإصلاحات الشاملة التي أصبحت محل إجماع ليس فقط على مستوى المعارضة بل وعلى مستوى النظام وإن برؤية مختلفة. أصبحت اليوم المطالبة بالتدخل الأجنبي واضحة المعنى في خطاب المعارضة الخارجية، لكنها لا تزال مرفوضة من المعارضة الداخلية من دون أن يعني ذلك رفض الدعم الدولي لانتفاضة الشعب السوري. الالتباس في معنى الدعم الدولي لدى المعارضة الداخلية والمماحكة اللغوية حول حماية المدنيين عبر إنشاء مناطق حظر والتدخل العسكري المباشر هو ما يمثل اليوم عائقاً ليس فقط أمام نجاح الشعب السوري في إسقاط النظام أو تغيير طبيعته، بل على مآلات الربيع العربي في ما تبقى من بلدان لا بد أن تنتقل بهذا الشكل أو ذاك إلى أوضاع ليبية أو تونسية أو مغربية. دخلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنذ خروج ابن علي من الأراضي التونسية مرحلة انتقالية جديدة لن يكون لدى كائن من كان حكومات أو شعوب النأي بنفسه عن استحقاقاتها. المسألة أصبحت اليوم تنحصر، خصوصاً على مستوى الحكومات في الإجابة على سؤالين ملحين... متى؟ وكيف؟ وبقدر ما يكون التأخير في الشروع في الاستحقاقات، ستكون الأثمان باهظة على جميع الأطراف. اليوم تنشأ ثقافة جديدة تكاد تكون على قطيعة مع الثقافة التي واكبت الحقبة الاستعمارية ومرحلة حكومات حركة التحرر الوطني والحرب الباردة وما تلاها من انهيارات سياسية وأيديولوجية بعينها. لا بد من الاعتراف بأن هذه الثقافة الجديدة لم تنشأ فقط بفعل الأحداث المزلزلة التي جسد انهيار جدار برلين مشهدها التراجيدي فقط، وإنما قادها الغرب المنتصر بأدواته المتقدمة تكنولوجياً ومعرفياً عبر وسائل الاتصال التي كان وحده يملك مفاتيحها الفنية والسوسيولوجية. صورة جديدة للغرب يجري تسويقها مثلت ليبيا تصحيحاً لما أصابها في العراق. الغرب يعود للمنطقة بشكل جديد محققاً مصالحه أولاً، ومستجيباً لنداءات أبنائه للمساهمة في صياغة أنظمة تحقق مصالحه ولا تتعارض وطموحات الأكثرية الساحقة من شعوبه. كيف؟ مناخات جديدة للصراع الأزلي بين المجموعات المالية السياسية والأكثرية الساحقة من شعوب العالم بأسره وفق قواعد متقدمة للصراع. وعلى هدى سياسة الكومنولث وفرانس أفريكا وما شهدته هذه السياسة من ازدهار على يد أنظمة الاستقلال الوطني، على رغم كل جرائم الاستعمار القديم، يصوغ الغرب اليوم سياسته وفق سياسة القطيعة مع الأنظمة البالية، وينشر ثقافة التدخل العسكري المباشر للخلاص من النظام السابق أو لحماية المدنيين. هل الغرب يلعب على الشعوب ويخطط لاستعمار جديد، يخون بموجبه طموحات الشعوب ويقفز على مكتسبات الثورات؟ إذا كان الأمر كذلك فتلك معركة جيدة للشعوب على الأقل من دون حكام ديكتاتوريين. رفض هذه السياسة الغربية الماكرة، ليس فقط استهانة بالشعوب، بل عدم ثقة بأن الشعوب يمكن أن تدير معاركها المشروعة بشكل أفضل وفي ظل ظروف أفضل، وما عدا ذلك يكون إيماناً مطلقاً «غيبياً» بتفوق الغرب وهو ما يجد تفنيده في اليابان وكوريا وسنغافورة من دون الحديث عن الصين. بقي الشرط الوحيد لأن تسير الأحداث وفق هذا المنحى بحد أدنى من الدماء والممتلكات، وعدم الانزلاق نحو هيمنة مباشرة لأحد أطراف الصراع، وهو أن يكون التدخل أممياً تحت أوامر ومراقبة الأممالمتحدة ممثلة بهيئتها التنفيذية مجلس الأمن. كاتب سعودي. [email protected]