ليس الإعلان الدستوري هو أم القضايا في مصر، ولا فلول مبارك، الصراع الذي تشهده مصر اليوم صراع هوية، وثقافة، وقيم اجتماعية، صراع قسم المجتمع المصري الى قسمين، قسم يتبع الأحزاب الإسلامية "دعاة الدولة الدينية"، وقسم ما يسمى الأحزاب الليبرالية "دعاة الدولة المدنية"، وهذا الانقسام ليس انفرادا مصريا ولكنه انقسام ينسحب على كل دول الربيع العربي، ويوجد له اشكال اخرى في جميع الدول العربية. عجزت السياسة في العالم العربي أن تنتج ثقافة التعايش السلمي منذ بداية أفول نجم الاستعمار (الخمسينيات إلى السبعينيات)، فأنتجت سياسة الزعيم الواحد والانتماء الواحد والحل الواحد، وزعماء الربيع العربي ليسوا استثناء بين زعماء المراحل السابقة بل امتداد موضوعي لهم، ولكن وسط هذا الامتداد برز عنصر مهم جدا هو "الإرادة الشعبية" فالشعب العربي في السابق يتطلع لشخص الزعيم بشيء من القداسة، شعب يريد حاكما ملهما ليتغنى بخصاله "بالروح بالدم نفديك يازعيم" تغير الشعب ولم تتغير السياسة - ولن تتغير - والتغير الذي حصل في المزاج الشعبي أو العام لا يعرف الاستقرار ومرشح لتحولات عنيفة قادمة، غياب الثقافة السياسية عن هذا المزاج جعله فرصة سانحة أمام كل طموح سياسي يتطلع أن يكون له تأثير في المشهد العام، فتوالدت الفرص أمام الطامحين للدور السياسي، وخاصة أنه الطموح لا يكلف شيئا سوى الحضور الاعلامي المكثف والقدرة على شتم الطرف الآخر من الصراع، وبهذا تكتسب الزعامة، هذا التسابق على فرص الزعامة جعل الحياة السياسية وكأنها مصنع لإنتاج زعامات جديدة، فإن فشل المنتج يتم إحراق المصنع، وتلتم الإرادة الشعبية من جديد لتنشأ مصنعا جديدا. المصنع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين قديم جدا، لم ترض الجماعة بتجديده، فكل محاولة لتجديده تصطدم بخط الانتماء التاريخي للحزب، فتاريخ كفاح الحزب الطويل لن يجنى ثماره إلا أعضاء الحزب، فالإنجاز الذي حدث في 25 يناير تراه الجماعة انه امتداد طبيعي لكفاحهم، وهم يشبهون بذلك كفاح ثورة 52 "الضباط الأحرار" وحزب البعث في العراق وسوريا، نظام حزبي واحد قائم على فكرة التمكين والاستحواذ على كل مفاصل الدولة. الخلاصة؛ أن الثورات في العالم العربي فشلت فشلا ذريعا، ونجحت الأحزاب القديمة، وما نشهده اليوم ليس نتيجة طبيعية لاستحقاقات الثورة التى من المفروض أن تضمن المشاركة والتعددية والعدالة الاجتماعية والكرامة، بل فرض القوة الحزبية على الشارع واسرع في ازالة كل خطوط المشاركة الشعبية الديمقراطية، حتى نكون أمام ديكتاتورية الحزب الواحد، بعدما كنا أمام دكتاتورية الزعيم الواحد. اليوم اجتماع الرئيس مرسي مع أقطاب المعارضة، من أجل الحوار بشأن الدستور والاستفتاء عليه، فأكثر ما يمكن أن يحصل عليه المعارضون هو تعديل في بعض بنود الدستور، ليكون التعديل نتيجة الحوار مع النخب، وليس بسبب ضغط الشارع الذي دائما ما يرفع سقف مطالبه مع كل تنازل من السلطة، وبعدها يعلن أن الذهاب للاستفتاء مطلب ديمقراطي واحترام لإرادة الشعب.