كان يمكن لأمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل أن يخفي أرقام الحجاج الذين حجوا هذا العام من دون ترخيص، ويعلن عن نجاح الموسم من الجوانب كافة التي تتعلق بالحج، وينتهي بإعلان موسم حج مميز، إلا أن الأمير أراد أن يواجه الإدارات والجهات المعنية بالحج كافة عظم المشكلة التي تحدث نتيجة عدم انضباط حجاج الداخل سواء من المقيمين أم المتخلفين او حتى السعوديين، وهذه شجاعة مسؤول إداري يعرف حجم المعاناة التي تسببها من هذا الانفلات، وكأنه يريد من الجميع المساهمة في إيجاد حل لظاهرة المفترشين ومتسلقي الجبال. وحينما يصل الرقم إلى 900 الف حاج متسلل، بزيادة عن 200 ألف حاج من العام السابق هذا يعني أن الرقم في تزايد مخيف، ولا بد من حلول عاجلة لمواجهة المشكلة. على رغم أننا كنا نعتقد كمراقبين ومن خلال وسائل الدعاية والاعلام واللوحات الإرشادية وتصريحات المسؤولين أن حج هذا العام لن يفلت أحد من مراكز التفتيش من دون ترخيص وأن الحجاج الذين أعلن عن إعادتهم من مداخل مكة هم الرقم النهائي من صرامة وتشديد في المراقبة. إذا أردنا أن نشخص حالة الافتراش وتسلل الجبال من مخالفين للحج، فهناك عوامل عدة ساعدت في نمو هذه الظاهرة، أولاً وهي سمة موجودة في الجميع ان نداء الحج ليس له علاقة بالاستعداد من توفير أماكن للإقامة في منى أو توفر مبالغ لأداء الفريضة وتلبية الحاجات الضرورية الملازمة للحج من نفقات ومصاريف، يكفي الوصول الى منى وعرفات بأي وسيلة كانت بهدف اداء الفريضة، ولا شيء غير ذلك، وهو ما يدفع الكثيرين لاتخاذ قرار الحج في اللحظات الأخيرة، الامر الثاني هو تعاون الجميع من مسؤولين وافراد في تمرير هؤلاء الى المشاعر من دون تعقيدات بحثاً عن أجر من حجاج أرادوا اداء الفريضة، فالشخص الذي يقف في التفتيش يفرق بين تصريح غير محاسب عليه وبين دعوات يلقاها من حجاج، من دون النظر ان كانوا يحملون ترخيصاً أو لا، ولهذا فهو يبحث عن دعوات صالحة من حجاج في اليوم الفضيل، لهذا لا يكون مشدداً في رقابته، واضعاً اعتباره خدمته للحجاج وتسهيل اداء فريضتهم، واما ان ينظر اليه بطريقة تجارية وفرصة لجمع الأموال، من خلال تحصيل مبالغ رمزية مثلما يحدث في كثير من مواقع الرقابة والتفتيش إلا ان هذه الفرضية ضعيفة نظراً إلى أن مواقع التفتيش تزدحم بعدد كبير من المفتشين ويصعب على أحد أن يقوم بهذا الأسلوب سينكشف أمره. أما العوامل الأخرى التي دفعت إلى لجوء حجاج الداخل الى ممارسة طرق ملتوية او تحايل للدخول الى المشاعر المقدسة، فهي الارتفاع المتناهي لأسعار حملات حجاج الداخل، وهي مكلفة على الفرد وعلى رب الأسرة، ويحتاج إلى 3 أو 4 أضعاف الراتب من اجل اداء فريضة الحج، كما ان ثقافة الكثيرين وهي أنه طالما ان الفرصة مواتية فلماذا لا يحج أكثر من مرة طوال فترة إقامته أو كونه قريباً طمعاً لطلب الاجر والثواب، وهذا مطلب وطموح إنساني. أما الأمر الآخر فهي المساحات التي تعطى من وزارة الحج لمؤسسات حجاج الداخل، وعدم وجود اماكن اكثر تستوعب هؤلاء الحجاج، وتجارب سابقة لخدمات وهمية وضياع الاموال وعدم وجود خدمات واستغلت العديد من المؤسسات ورفعت أسعارها هذا الحج 100 في المئة. حسناً اين المشكلة، ربما تكون في نقاط التفتيش، او عند مداخل منى او داخل منى والمشاعر المقدسة مع ضعف الرقابة، او في وزارة الحج التي لا تعطي هذا الجانب أهمية، الا انه مهما قلنا عن حجاج الداخل، الا انه يجب ان نعترف ان هؤلاء الحجاج الذين يتسللون يفسدون كل ما بنته الدولة من مشاريع وخدمات وتسهيلات وامكانات ضخمة، وفي لحظة تتحول هذه المنجزات الى متحف للمشاهدة فقط، يتضرر منها الحجاج القادمون من الخارج الذين عانوا السفر والترحال وترك الأهل، وعلى رغم انني لا أؤمن بالفوارق بين حجاج داخل وخارج، فجميعهم سواسية لأنهم حجاج يؤدون الفريضة، الا انني مع سن قوانين صارمة لضبط الامور وابقاء الحج ميسراً وسهلاً كما تريده القيادة والحكومة السعودية. معالجة مشكلة تسلل الحجاج من دون ترخيص تندرج في نقاط عدة، اولاً على الجهات المعنية ان تشكل ورش عمل قبل الحج بأشهر عدة تضم الجهات المعنية كافة مع نخبة من رجال المجتمع من رجال أعمال وكتاب ومثقفين ومختصين من خبراء، ولا يضر ان يسهم مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في عقد لقاءات حول هذا الخصوص، فالحج الداخلي ايضاً هو جزء من الحوار مع المجتمع، اعادة النظر في مؤسسات الداخل والمساحات المعطى لها، إخراج المباني الحكومية التي ليس لها علاقة مباشرة بخدمة الحجاج خارج حدود المشاعر، فمنى رغم مساحتها الصغيرة فالمباني تستقطع 30 في المئة من مساحتها، تخصيص مواقع في أطراف منى أشبه بطريق المشاة المغطى، أماكن مخصصة لحجاج الداخل، إلغاء طريق المشاة، فقد ثبت ان هذا الطريق حوله حجاج الداخل الى مساحات ويتم تأجيرها، حصر دخول المشاعر المقدسة للحافلات الكبيرة فقط وليست الصغيرة، وتابعة لمؤسسات الحجاج، وما دون ذلك تمنع اطلاقاً فهذه الحافلات تسهم بطريقة مباشرة في نقل الحجاج. تشديد الرقابة عند مداخل منى وتزويد المراقبين بجهاز إلكتروني لفحص التصريح لكل حاج، تحويل التراخيص إلى بطاقات إلكترونية يمكن معاينتها بواسطة جهاز آلى وهو أشبه بجهاز قياس الأسعار في محال ومراكز التسوق، نشر فريق من المراقبين المتعاونين في أماكن الافتراش مهمتهم تسجيل مخالفات اما على الاقامة او الشخص في بطاقة الهوية الرسمية، كما يحدث الآن في نظام المرور «هذه الفكرة اقترحها الزميل جمال خاشقجي في صفحته على تويتر» نشر مراقبين من النساء وحتى نعد نقاط التفتيش، الغاء نظام التفتيش الحالي عند مداخل مكةالمكرمة والاسلوب التقليدي المتبع، واعتماد نظام التفتيش المتبع في صالات المطار المخصص للرجال والنساء وهو الفحص الدقيق، اما الطريقة الحالية وهو صعود المراقب للباص او الايماءة له بالمرور، لا تكفي بضبط المراقبة. هناك العديد من المقترحات وفي ظني الكثير من المهتمين لديهم الحلول التي تساعد الدولة في نجاح مواسم الحج من دون أي منغصات. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] twitter | @jbanoon