أحمد.. عامل باكستاني وأحد عشرات العمال الذين يسكنون معنا في أحد أحياء شرق جدة، رأيته قبل موسم الحج متلهفاً لأداء الفريضة.. فسألته: هل حصلت على التصريح؟.. ضحك وهو يردد بلكنة مكسرة "أبويه.. تصريح ما فيه لزوم".. وشككت في قدرته على أن يصل المشاعر، حتى لكأني أردت أن أراهنه على أنه سيفشل .. لكن المفاجأة .. انني قابلته بعد الحج بأيام وهو حليق الرأس، وراح من بعيد يلوح لي كمن كسب الرهان.. سألته: أين سكنت وفي أي خيمة؟.. لأكتشف منه واحدة من حكايات الآلاف الذين ما زالوا يمارسون (حج - الافتراش).. ترى ما هي أبعاد هذه القضية؟ مزايا جديدة وزارة الحج السعودية مهمومة بمسألة "الافتراش" كغيرها من الجهات الرسمية، ولذلك فقد أعلنت قبل أيام ضمن جهد لمحاربة هذه الظاهرة بدأ مكثفاً قبل عامين من الآن.. أعلنت عن حزمة من المزايا الجديدة لشركات "الحج المنخفض" سيتم تطبيقها اعتباراً من موسم الحج للعام القادم 1432ه .. والمزايا التي تعتزم الوزارة تقديمها لا زالت قيد الدراسة، ومن المتوقع أن تكون موجهة إلى شركات حجاج الداخل، والذين ينصب اهتمامهم في مجال حج منخفض التكاليف، وفي حال إتمام صيغة هذا المشروع، فإنه يعول عليه أن يساهم كثيراً في محاربة ظاهرة الافتراش، خصوصاً والدراسة حوله تقترح اقامة مخيمات لهذه الشركات في أماكن قريبة من جسر الجمرات، بحيث يمكن أن يفيد منه ذوو الدخل المحدود في أداء مناسك حجهم. لا حج بلا تصريح ( لا حج بلا تصريح).. تحت هذا الشعار، تم اعداد آلية عمل، تبنتها لجنة الحج المركزية، وحظيت بدعم واهتمام صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز، امير منطقة مكةالمكرمة ورئيس لجنة الحج المركزية، وينصب هذا الإجراء على حجاج الداخل بالدرجة الأولى، وقد تم العمل به وتنفيذه، لكنه في واقع الأمر لم يكن قادراً على منع الافتراش بشكل كامل، مع أنه هذا العام قد شمل حتى سكان مدينة مكةالمكرمة، ومع أنه قد تم تشديد تطبيق العقوبات على كل شخص يتم القبض عليه وهو متسلل ولا يحمل تصريحاً للحج، كما يعاقب من يسهل طريقه ومن ينقله، إلا أن "المفترشين" قد استطاعوا - رغم ذلك- من الوصول إلى الحج عبر عدة اساليب وطرق ملتوية وباعداد لم تكن قليلة. تهريب الحجاج ونجح عدد من ضعاف النفوس في تهريب الحجاج عبر طرق جبلية وعرة وغير مرئية بوضوح ، مع أن النظام ينص على ايقاع غرامات مالية على من يهرِّب الحجاج دون حمل تصاريح إلى المشاعر، تصل إلى عشرة آلاف ريال، من خلال مراقبة دائمة على مدار الساعة في "15" نقطة تفتيش زرعت حول العاصمة المقدسة، ومداخل المشاعر. صحيح لكنه آثم ويظل من المؤسف أن الحجاج الذين يتسابقون على أداء نسك الحج بدون الحصول على تصريح رسمي، يفعلون ذلك دون الالتفات إلى جسامة مسؤولية الخطر الذي يمارسونه، وخصوصاً من الناحية الدينية، ويقول الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية "أن من حج مخالفاً لأنظمة الحج فإن حجته صحيحة، ولكنه في نفس الوقت يعتبر عاصياً وآثماً"..وحث الشيخ المنيع المسلمين الراغبين في الحج إلى امتثال اوامر ولي الأمر: (لا شك أن التنظيمات التي اتخذها ولي الأمر تهدف إلى تحقيق المصلحة لضيوف الرحمن وتهيئة الأجواء وتقديم الخدمات لضيوف الرحمن ، حيث أنها مسؤولية شاملة عن جميع ما يتعلق بأمن الحج).واضاف: (يجب على جميع المواطنين التعاون مع ولاة الأمر بالسمع والطاعة والاستجابة للتعليمات والإجراءات استجابة لأمر الله تعالى بطاعة ولاة أمورنا في مالا معصية لله فيه). السلوك الحضاري وكانت (البلاد) قد سألت معالي وزير الحج الدكتور فؤاد الفارسي، خلال رعاية معاليه لحفل الوزارة السنوي - مؤخراً - في جدة فقال معاليه: "لقد تطرقنا في مرات كثيرة قبل موسم الحج إلى مسألة الافتراش، وقد تطرق لها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وذلك لعدة أسباب منها سلبيات الافتراش، وقام سموه بحملة "الحج سلوك حضاري" فنحن نبذل كل الجهود، ونهيب بالجميع أن يلتزموا بالتعليمات والأنظمة، لأنني لو حججت أنا وأنت فإننا لن نفترش، إذن هو مسألة سلوك، ونحن نحاول بالتي هي أحسن). الوعي والإلتزام ويظل الوعي العام للناس عموماً، ولمن يريد أداء نسك الحج خصوصاً، هو المحور المهم للقضاء على ظاهرة الافتراش، ولكوننا مسلمين فإنه من ابجديات ديننا أن نكون إلى جانب التنظيم والنظام وبعيداً عن المخالفة وعصيان الأوامر، والحج عبادة جليلة، ولا يصح للمسلم أن يمارسها وهو يتمثل مخالفة التعليمات كبديهة يعرفها كل أحد، ومكةالمكرمة والمشاعر المقدسة من حرمات الله تعالى، التي يجب تعظيمها، وإن من أول علامات تعظيمها أن يصلها المسلم الحاج وهو في حل من المخالفات والمعاصي فكيف بالاصرار على ارتكاب المخالفة المتمثلة في الافتراش، رغم صيحات المسؤولين وتحذيرهم منها. لغز الافتراش ويظل الافتراش كما لو كان "لغزاً- عجيباً" لا يمكن حل طلاسمه، رغم كل الجهود الرسمية التي تحاربه، ورغم سن القوانين التي تناهضه، ورغم التوعيات الكثيرة التي تسبق الموسم، إلا انه - أي الافتراش- وإن انحسر حجم هذه الظاهرة الهائل إلى الوراء، يظل قائماً، وحالة معاشة، فكيف السبيل إلى اقتلاع هذه الظاهرة بالكامل من جذورها؟ حلول مقترحة ونحاول نحن هنا في ( البلاد ) وعبر هذا التحقيق أن نطرح عدداً من الاقتراحات التي نرى أنها قد تساهم في "حلحلة" ظاهرة الافتراش في الحج ومن ذلك: 1- تخفيض أجور الحج بالنسبة لذوي الدخل المحدود والعمالة وما في حكمها، ضمن اسعار في متناول هذه الفئة، تقوم بها شركات خاصة من الداخل. 2- مساهمة أهل الخير والمؤسسات التجارية ونحوها بتمويل هذه الحملات للحج والخاصة بفئة ذوي الدخل المحدود أو الفقراء. 3- زيادة تكثيف الرقابة على مداخل ومخارج مكةالمكرمة والمشاعر ، والصرامة في منع كل من لا يحمل تصريحاً بالحج من دخول المشاعر. 4- تنويع آليات التوعية من خلال المحاضرات والندوات وخطباء الجمع في المساجد قبل الحج. 5- ايضاح الرأي الشرعي في مسألة أنه لا حج بحق المسلم الذي لا يجد المال الكافي لأداء النسك، باعتبار أن (شرط الاستطاعة) بشقيه المادي والبدني هو المحور الأهم لأداء الفريضة. 6- التشديد على شركات حجاج الخارج بعدم السماح لحجاجهم بالافتراش، ووضع آليات عقوبات للمخالفين. 7- ايقاع أقصى العقوبات بشركات الحج الوهمية التي تخدع الحجاج ، وتقبض اموالهم، ثم تدعهم بدون خيام وخدمات في المشاعر. 8- مواصلة حملات الجوازات ضد المتخلفين قبل الحج، لأن من هؤلاء اعداد كبيرة تذهب للحج وتمارس الافتراش. 9- ايجاد صيغة تفاهمات مع سفراء الدول الاسلامية وفق خطة توعية تنظيمية لمحاربة ظاهرة الافتراش، يكون الجميع فيها شركاء حقيقيين في تنفيذ برنامج "حج - بدون افتراش". 10- أن تقوم وزارة الحج قبل الموسم بوقت كاف باعلان اسماء شركات الحج المرخص لها، حتى تتضح الأمور أمام الناس، ولمحاربة دخول الشركات الوهمية إلى سوق الحج، بعد أن قالت تقارير أنها تستحوذ على قرابة 10% من حجم السوق وبمبلغ حوالي (600) مليون ريال. 11- أن تقوم وزارة الحج بعقد العديد من ورش العمل لكل الفعاليات التي لها علاقة بالحج، تحت عنوان مكافحة الافتراش، بحيث يمكن استطلاع كل الرؤى المؤدية إلى الحلول الناجحة لهذه الظاهرة.