أغلق امبراطور قطاع الإعلام روبرت ميردوخ صحيفته البريطانية «نيوز أوف ذا وورلد» في تموز (يوليو) الماضي على خلفية فضيحة تنصت صحافييها على هواتف المشاهير وعامة الناس. وفيما لا يزال من المبكر، ربما، الحكم على الجهة التي ستستفيد في نهاية المطاف من شريحة القراء الواسعة التي كانت تواظب على قراءتها، أظهرت أرقام أولية لمبيعات الصحف البريطانية أن أياً من صحف الأحد الرصينة لم يستفد قيد أنملة من غياب هذه المطبوعة الأسبوعية الذائعة الصيت. وفي حين استمرت مبيعات الصحف الرصينة في التراجع، سجّلت صحف «التابلويد» الشعبية ارتفاعاً خيالياً في توزيعها، ما يُثبت أن «ولاء» القارئ البريطاني يبقى أولاً لوسائل الإعلام التي توفّر له مادة «خفيفة» تُركّز على أخبار المشاهير وفضائحهم ولا تقدّم سوى النذر اليسير من أخبار السياسة العالمية... ومصائبها. وأظهرت أرقام وكالة ABC) Audit Bureau of Circulations) لمراقبة مبيعات الصحف البريطانية لشهر أيلول (سبتمبر) الفائت، أن صحيفة «دايلي ستار صنداي» كانت المستفيد الأول من غياب «نيوز أوف ذا وورلد»، إذ ارتفع مبيعها مقارنة بأيلول العام الماضي من 371 ألف نسخة إلى 703 آلاف نسخة، أي بزيادة قدرها 89 في المئة. وعلى رغم هذا التقدم الكبير ال «دايلي ستار»، ما زالت بعيدة جداً عن اللحاق بمتصدرة السوق حالياً وهي صحيفة «صنداي ميرور» التي كانت دائماً في المرتبة الثانية بعد «نيوز أوف ذا وورلد». وسجّلت مبيعات «صنداي ميرور» ارتفاعاً قدره 63 في المئة، مقارنة بأيلول (سبتمبر) من العام الماضي، إذ زادت مبيعاتها من 1.126 مليون نسخة كل أحد إلى مليون و845 ألف نسخة. كما سجّلت صحيفة «ذا بيبول» ارتفاعاً كبيراً بلغ 57 في المئة، بعدما قفز مبيعها من 532 ألف نسخة إلى 839 ألف نسخة، فيما لم تسجّل صحيفة «ميل أون صنداي» سوى ارتفاع لا يتجاوز الواحد في المئة (مليون و969 ألف نسخة إلى مليون و979 ألف نسخة، بزايدة عشرة آلاف نسخة فقط). وعلى رغم أن «الميل أون صنداي» تصدر في شكل تابلويد، فإنها توفر مادة تزاوج بين الرصين والشعبي. وفي مقابل هذا الارتفاع الكبير في مبيعات صحف الأحد الشعبية، كان لافتاً أن أياً من صحف الأحد الرصينة لم يسجّل أي تقدم على الإطلاق، بل استمرت كلها في التراجع، إذ خسرت «صنداي تايمز» في أيلول الماضي نحو 10 في المئة من مبيعاتها، بعدما تراجعت (مقارنة بالعام الماضي) من مليون و91 ألف نسخة إلى 984 ألف نسخة، فيما تراجعت «صنداي تيلغراف» 5 في المئة من 507 آلاف نسخة إلى 481 ألف نسخة. وكذلك فعلت «الأوبزرفر» التي تراجعت 16 في المئة من 325 ألف نسخة إلى 273 ألف نسخة. أما «الإندبندنت أون صنداي» فتراجعت أقل من واحد في المئة، من 155 ألف نسخة إلى 154 ألف نسخة. ويبدو واضحاً من كل هذه الأرقام أن القارئ البريطاني الذي كان معتاداً على نوعية الإعلام الذي قدمته له «نيوز أوف ذا وورلد» لم يحاول أن يغيّر عاداته بعد غيابها، إذ لم تستفد أي من المطبوعات الرصينة من الشريحة الكبيرة من القراء الذين «تيتّموا» بعد وفاة صحيفة ميردوخ. فقد كانت «نيوز أوف ذا وورلد» عند إغلاقها أكثر صحف الأحد مبيعاً في بريطانيا، برقم مبيع يبلغ 2.7 مليون نسخة كل أحد، أي بمعدل نسخة واحدة لكل 23 شخصاً من سكان بريطانيا. وعلى رغم أن هذا الرقم أعلى بكثير من بقية الصحف التي لم تكن أرقام معظمها تصل إلى مليون نسخة، يبقى رقماً ينخفض بكثير عن الذروة التي بلغتها «نيوز أوف ذا وورلد» في خمسينات القرن الماضي عندما كانت تبيع 8.4 مليون نسخة، أي عدد واحد لكل ستة أشخاص في بريطانيا (التي كانت تعد 50 مليون نسمة آنذاك). ومع أن أرقام مبيعات الصحف أظهرت أن غالبية قراء «نيوز أوف ذا وورلد» تحوّلوا إلى صحف الأحد الشعبية الأخرى، إلا أن حوالى مليون من هؤلاء القراء (من أصل 2.7 مليون قارئ) لا يبدو أنهم اختاروا الانتقال إلى صحيفة أخرى من الصحف المتوافرة في الأسواق. وقد يكون السبب أن هؤلاء القراء كانوا معتادين على السبق الصحافي الذين كانوا يعرفون أن الصحيفة ستنفرد به كل أسبوع، وهو أمر لا يبدو أن أياً من الصحف الأخرى كان يمكنها أن تجاريه. وكما هو معروف الآن، كانت الفضائح التي تنفرد بها «نيوز أوف ذا وورلد» أسبوعياً تأتي في معظم الأوقات نتيجة تنصتها على الهواتف في شكل غير مشروع، ما كان يتيح لها الإطلاع على أسرار المشاهير والسياسيين وحتى أفراد العائلة المالكة ونشرها بالتفصيل الممل على صفحاتها. وكانت «نيوز أوف ذا وورلد» التي صدرت عام 1843، توقفت عن الطباعة وأغلقت أبوابها في 10 تموز (يوليو) الماضي... بعد عمر مديد من الفضائح.