تشكّل أزمة الديون السيادية التي تعصف بعدد من دول الاتحاد الأوروبي، مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، مصدر قلق لعدد من الاقتصاديين في المغرب، إذ تهدّد النمو الاقتصادي في منطقة اليورو التي تضم 17 دولة من أصل 27، يتكوّن منها الاتحاد. وأوضح اقتصاديون أن خسارة نقطة مئوية في نمو منطقة اليورو قد يقلّص النمو في المغرب ما بين 0.2 و0.3 في المئة عام 2012، بسبب اعتماد الاقتصاد المحلي في إيراداته الخارجية على أوروبا بما نسبته 70 في المئة، خصوصاً في مجال الصادرات الصناعية والزراعية والسياحة والتحويلات والاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى ارتباط الدرهم المغربي بالعملة الأوروبية الموحدة منذ عام 2004. وتوقعت مصادر أن تراوح الخسائر بين نصف نقطة ونقطة مئوية من النمو في الاقتصاد المغربي إذا استمرت الأزمة المالية في أوروبا. واستبعدت المصادر وجود تأثير مباشر في مديونية المغرب، المقدّرة ب52 في المئة من الناتج المحلي، في مقابل 100 في المئة في بعض الدول الأوروبية المتوسطية، لكن المخاوف تتركّز على مصير بعض الصادرات وحجم المساعدات المالية، إلى جانب وضع المهاجرين في أوروبا الذين يحوّلون سنوياً أكثر من سبعة بلايين دولار. وكان عشرات آلاف المغتربين فقدوا وظائهم بسبب الأزمة في إسبانيا وإيطاليا وعاد بعضهم إلى المغرب. ويبدو أن الوضع الاقتصادي الأوروبي لن يساعد في تحقيق مستويات النمو التي تعد بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات البرلمانية في 25 الجاري، والتي تتحدث عن تحقيق نمو يفوق ستة في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة، في حال فوزها، لتحسين دخل الفرد وتوفير عدد كاف من فرص العمل، يقدّر بمليون وظيفة جديدة، أي بمعدل 200 ألف وظيفة سنوياً، وبمضاعفة الناتج المحلي. غلاء المواد الأولية وشكّكت أوساط في قدرة الاقتصاد المحلي على تحقيق معدلات عالية جداً نتيجة الأزمة الأوروبية وتداعيات «الربيع العربي»، أو استمرار ارتفاع أسعار المواد الأولية ومصادر الطاقة التي قد ترتفع إلى 150 دولاراً للبرميل بحلول عام 2015، أو تفاقم الأزمة بين الغرب وإيران. وعلى رغم استفادة المغرب من الأسعار الدولية في مجال الفوسفات والمعادن، التي تمثل ثالث أهم مصدر للدخل بعد السياحة والتحويلات، إلا أن السوق الأوروبية تبقى المستورد الأكبر للسلع المغربية، وعلى رأسها قطاع النسيج والملابس الذي يعمل فيه نحو نصف مليون شخص. وزادت صادرات المغرب من السيارات والملابس إلى أوروبا 30 في المئة هذه السنة. وتوقعت مؤسسة التصنيف الأميركية «ستندار آند بورز» أن ينمو الاقتصاد المغربي 4.8 في المئة هذه السنة والعام المقبل، وهي تقريباً النسبة ذاتها التي توقعها صندوق النقد الدولي، الذي يعتبر المغرب من أسرع الاقتصادات غير النفطية في جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه. لكن الرباط تحتاج إلى نمو نسبته نحو سبعة في المئة لامتصاص بطالة الشباب الجامعيين، وزيادة حجم الاستثمارات العمومية إلى تريليون درهم (121.4 بليون دولار) خلال خمس سنوات، في مقابل 750 بليوناً في الفترة السابقة، لتحسين الأجور ورفع مستوى معيشة الفئات الفقيرة وسكان الأرياف، وتجنب الاستدانة الخارجية. ولتحقيق هذا الهدف، يجب تأمين محيط إقليمي مساعد، أقلّه عودة الانتعاش إلى الاقتصاد الأوروبي، واستقرار الأوضاع العربية، أي الإسراع في بناء المؤسسات الديموقراطية، وعودة «الدفء» إلى منطقة شمال أفريقيا عبر حوار جديد مع الجزائر لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي المتوقف منذ فترة طويلة.