سجلت المشاعر المقدسة عدداً من الأحكام القضائية «المسببة»، صدرت في كل من منى وعرفات ومزدلفة خلال الأيام الماضية، بعد أول ملتقى لتسبيب الأحكام الشرعية نظم أخيراً في السعودية. ويبدو أن القضاء السعودي اتخذ توجهاً مغايراً خلال موسم الحج الحالي من خلال «تسبيب» الأحكام التي صدرت في الدوائر المكلفة بالعمل في الحج، خلافاً لما كان خلال الأعوام الماضية التي يكتفى فيها بالحكم من دون تسبيب بسبب ضيق الوقت والمكان وبساطة القضايا. ويعرف «التسبيب» بأنه مجموعة أسباب لتسويغ حكم ما، وهو «الحجج والأسباب الواقعية والقانونية التي يستند إليها منطوق الحكم»، وذكروا أن الأسباب شرط لصحة الحكم، وبعبارة أخرى فسّروا أسباب الحكم بأنها «في لغة القضاء أدلة الواقعة والحجج المنطقية القانونية التي تسوغها المحكمة تبريراً لإصدار الحكم». وقال رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور صالح بن حميد ل «الحياة» إن التقاضي في المشاعر المقدسة «متكامل» مثله في المحاكم العامة والجزئية، مشيراً إلى أن لائحة الحج والعمرة وضحت كل شيء وهناك قضايا لها صفة استعجال. من جهته، أكد القاضي المكلف في دائرة عرفات محمد هديان أنه أصدر عدداً من الأحكام المسببة وفق ما يحدث في المحاكم العامة والجزئية، وأشار إلى أنه على رغم قصر الوقت واختلاف المكان وسرعة الأحكام، إلا أنه عمد إلى تسبيبها. وعلق رئيس إدارة التفتيش القضائي في المجلس الأعلى للقضاء ناصر المحيميد بقوله: «الأسلوب القضائي في موسم الحج لا يختلف عن الأسلوب المتبع في سائر القضايا، إلا في جانب المرونة والسهولة في بعض الإجراءات القضائية والتخفيف في الروتين العام والأعباء، أما الشروط القضائية من تحرير الدعوى، والإجابة، والبينات، والدفوع، والتسبيب القضائي، وصدور الحكم الواضح فإنه لابد أن يكون متطلباً في كل إجراءات الحج في هذا الجانب». وسبق أن أكد وزير العدل الدكتور محمد العيسى أن وزارته ستنشر مجموعةً من الأحكام الجنائية الصادرة في قضايا الإرهاب وأمن الدولة، مشمولةً بالأسباب، الأمر الذي أبدى صورة واضحة أمام القضاة أنه لابد من تسبيب الأحكام الشرعية، لافتاً إلى أن تسبيبَ الحُكم في طليعة ضمانات العدالة، وعنوان شفافيتها، ومرتكز قوة أحكامها. واعتبر العيسى أن ضعف «التسبيب» في حال تقدير حصوله يعتبر ُمسؤولية قاصرة، فهو يعود سلباً على مصْدره ولا يتعدَّاه، فلا يطاول حكم الشرع البتة، كما لا تطاول حالاته الاستثنائية أداءَ المؤسسة القضائية، مشيراً إلى أن هذا الأمر لا يمكن أن يفوت على التفتيش القضائيّ بالنسبة للتقويم الدوري لمستوى الأداء المهني، ولفت إلى أن قضاة المملكة يتمتعون بخاصية الرسوخ في الفقه الإسلامي وأصوله، والاطلاع من خلال المناشط العدلية على القدر الكافي من المواد ذات الصلة بالشأن الحقوقي، مشيراً إلى أن هذه المؤهلات من أهم مكونات البناء السليم للحكم القضائي، فضلاً عن الاهتمام بقواعد الشريعة الإسلامية، والأنظمة المرعية واستجلاء مقاصدهما. وشدد العيسى على أهمية التسبيب في إبراز أحكام الشريعة الإسلامية، وإيصال مضامينها للرأي العام في الداخل والخارج، خصوصاً في القضايا الجنائية، التي تتم قراءتها قراءة فاحصة بعد نشر أحكامها، ملمحاً إلى أن قضاء المملكة لا يسمح لأي كان بأن يؤثر سلباً على حسن سير العدالة، وبيّن في هذا الصدد أنه ليس لاختلاف المعتقد والفكر أي اعتبار في معاييرنا الشرعية، وأن المواد القضائية كافة، سواءً أكانت مدنية أو تجارية أو إدارية أو أحوالاً شخصية أو جنائية، تحوي في طياتها دلائل شرعية ونظامية، ومبادئ قضائية محمولة عليها، يمكن من خلالها توجيه الحكم القضائي بأسباب واضحة تنير السبيل. يوميات «قاضي عرفات»: ساعات عمل «متواصلة» ودفاتر ضبط